مكافحة الجريمة الإلكترونية بالتنوع العصبي

اثنين, 2018-01-22 13:14

يُعَد الأمن الإلكتروني (السيبراني) واحدا من التحديات البارزة في العصر الرقمي. والجميع، من الأسر إلى الشركات إلى الحكومات، لهم مصلحة في حماية السلعة الأعظم قيمة في عصرنا؛ البيانات. والسؤال هو كيف يمكن تحقيق هذه الغاية.

لا ينبغي لنا أن نستهين بحجم هذا التحدي، فمع اكتساب المهاجمين قدرا متزايدا من المهارة والإبداع وتسلحهم بمجموعة متزايدة التنوع من الأسلحة، تقع الهجمات الإلكترونية بوتيرة أسرع وقدر من التطور أعظم من أي وقت مضى. والواقع أن الفريق الأمني في شركتي "بي تي"، التي تعمل في مجال تشغيل الشبكات وتقديم خدمة الإنترنت، يكتشف 100 ألف عينة من البرمجيات الخبيثة كل يوم، وهذا ما يربو على معدل "واحد في الثانية".

في مواجهة الفِكر الإبداعي بين المهاجمين الإلكترونيين يتعين علينا نحن الذين نتصدى لهم أن نستعين بالفكر الإبداعي. وهنا تتمثل الخطوة الأولى في ضمان وجود العدد الكافي من الأفراد الموهوبين المدربين الذين يشاركون في المعركة.

فوفقا لدراسة حديثة أجرتها مؤسسة البيانات الدولية، أعربت 97% من المنظمات عن مخاوف بشأن مهاراتها الأمنية. وتشير تقديرات دراسة أخرى إلى أن عدد الوظائف الشاغرة في مجال الأمن الإلكتروني قد يبلغ 1.8 مليون وظيفة بحلول عام 2022.

من الأهمية بمكان، وسط هذا النقص الخطير في المتخصصين في الأمن الإلكتروني، أن نعمل على تطوير أساليب جديدة لاجتذاب وتثقيف الأفراد الموهوبين والاحتفاظ بهم، من أجل خلق مجتمع عميق من الخبراء الإلكترونيين من ذوي المهارات العالية والمجهزين للتغلب على المجرمين الإلكترونيين في لعبتهم.

الأمن الإلكتروني والتوحد
يكمن المفتاح إلى تحقيق النجاح في تنوع المواهب ووجهات النظر. وهذا يشمل التنوع العصبي، كذلك النوع الذي يُظهِره الأشخاص الذين يعانون من التوحد، ومتلازمة إسبرغر، واضطراب نقص الانتباه.

على سبيل المثال، يميل الأشخاص المصابون بمتلازمة إسبرغر أو التوحد إلى التفكير بشكل أكثر حِرفية ومنهجية، مما يجعلهم بارعين بشكل خاص في الرياضيات والتعرف على الأنماط، وهي مهارات بالغة الأهمية في مجال الأمن الإلكتروني.

المشكلة هنا هي أن الأشخاص الاستثنائيين عصبيا يميلون إلى الحصول على تقييمات متدنية في إطار عملية المقابلة التقليدية، وهي التي تعتمد كثيرا على مهارات الاتصال اللفظي. ونتيجة لهذا، يكافح هؤلاء الأشخاص عادة للعثور على عمل، وحتى عندما يجدون وظيفة قد لا تكون البيئة التي يعملون فيها قادرة على دعمهم بالقدر الكافي.

تشير تقارير الجمعية الوطنية للتوحد في المملكة المتحدة إلى أن 16% فقط من البالغين المصابين بالتوحد في بريطانيايعملون بدوام كامل مدفوع الأجر، و32% منهم فقط يمارسون أي عمل مدفوع الأجر، مقارنة بنحو 47% من المعوقين و80% من الأصحاء. وهذا يسلط الضوء على حجم التحدي الذي يواجه هؤلاء المرشحين، فضلا عن عدم استغلال المورد الكبير الذي يمثلونه.

وانطلاقا من إدراكنا في مجموعة "بي تي" لإمكانات التنوع العصبي وقدرته على المساهمة في تعزيز الأمن الإلكتروني، قمنا بإعادة تأطير الكيفية التي نتفاعل بها مع المرشحين خلال المقابلات. ونحن نشجعهم على التحدث عن اهتماماتهم، ولا نتوقع منهم أن يجيبوا نموذجيا ببساطة على أسئلة عن أهدافهم الوظيفية أو أن يعددوا مواطن قوتهم ونقاط ضعفهم.

ميزة تنافسية
وقد جرى تطبيق هذا النهج بالفعل بنجاح كبير في شركات مثل مايكروسوفت، وأمازون، وساب، في مجالات مثل الترميز وتطوير البرمجيات، وفي منظمة "مكاتب الاتصالات الحكومية" للاستخبارات والأمن  في المملكة المتحدة، التي تعد من أكبر أرباب العمل الذين يوظفون المتوحدين في البلاد.

بطبيعة الحال، لن ينجح النهج المستحدث في مقابلة المرشحين مع الجميع. ولكنها بداية. وعلى نطاق أوسع، يتعين علينا أن نبذل المزيد من الجهد ليس فقط لتوسيع الفرص المتاحة للمرشحين الاستثنائيين عصبيا، بل وأيضا لضمان نشر هذه الفرص على نطاق واسع.

يتطلب هذا التغيير القيادة البارعة من قِبَل الحكومات والشركات والتعاون بينها. ويسرني أن أقول إن مجموعة "بي تي" تضطلع بدور رائد على هذه الجبهة بالفعل، بما في ذلك من خلال العمل مع الحكومة البريطانية على تحسين برامج الاستكشاف السيبراني، وهي مبادرة خاصة لاجتذاب تلاميذ المدارس إلى الصناعة السيبرانية، ومن خلال دورات التدريب التي نقدمها.

في العصر الرقمي، ينبغي لنا أن ننظر إلى التنوع العصبي باعتباره ميزة تنافسية، وليس عائقا. ولدينا الآن الفرصة للاستثمار في الموهوبين الذين يُترَكون خلف الركب عادة عندما يتعلق الأمر بالعمل، على النحو الذي يعود عليهم وعلى الشركات والمجتمع ككل بالفائدة.

ومن خلال إدراك مهارات هذا المجمع من الموهوبين المتجاهلين إلى حد كبير، يُصبِح بوسعنا معالجة النقص الحرج في المهارات في اقتصاداتنا وتعزيز قدرتنا على مكافحة الجريمة الإلكترونية. ولا ينبغي لنا أبدا أن نفوت مثل هذه الفرص.

 

جافن باترسون; الرئيس التنفيذي لمجموعة بي تي

 

المصدر : بروجيكت سينديكيت