من تجربتي في آدرار (2)

ثلاثاء, 2018-02-06 11:26
الدد الشيخ إبراهيم

بدأ القلق يتسلل إلى نفسي بعدما أصر المهندس الاسباني "بيكى" أن يتولى قيادة السيارة بنفسه: هل هناك وسيلة أستطيع من خلالها إقناعه بالتراجع عن قراره دون الدخول في صدام -غير محسوم النتيجة- معه؟!
هل أضمن أن يوصلنا إلى العاصمة بسلام؟ ماذا لو تتسبب لنا بحادث سير ومن يتحمل نتيجة ذلك (بيكى المختل عقليا أم أنا الذي أطعته تفاديا للصدام معه)؟ أسئلة كثيرة بدأت تدور في ذهني وأنا أفتح مختلف المواضيع للنقاش معه بغية إلهائه ريثما نقطع مسافة أكثر باتجاه العاصمة نواكشوط. 
بعد أن اجتزنا مدينة "يغرف" ومع تجاوزنا للحدود الجبلية (عين أهل الطائع) بدأ إلحاح الرجل على السياقة يزيد، مما اضطرنا إلى تسليمه مقود السيارة، وقد فاجأني بحسن سياقته وعدم سرعته واستخدامه للحزام -على عكس السائق الآدراري الأول-. ورغم ذلك كنت أبقي يدي اليسرى مخفية على مقربة من الكابح اليدوي (frein à main) كإجراء احترازي نفسي للتدخل عند الحاجة. 
ألقيت نظرة إلى الخلف فتفاجأت من أن سائقنا الرسمي يغط في نوم عميق غير آبه بخطورة اللحظة. 
فجأة وعند أحد المنعرجات وفي غفلة منا زاد "بيكى" من سرعته ونزل بالسيارة من على الطريق. 
في تلك اللحظة لم تسعفني خطة التدخل التي كنت أعدها سرا : فنسيت استخدام المكبح. واكتفيت بخليط بين الصياح والتهديد (اتبهبير او اتهربيل لست أدري). مما أرغم "بيكى" على الضغط بقوة على الفرامل لتتوقف السيارة بقوة ويغطي الغبار المكان. نزلنا جميعا من السيارة وكذلك الإسباني، وقد بدا غير آبه بالاحتجاج والتذمر الذي وجهناه له. فقام بإخراج هاتفه وبدأ يتحدث مع زوجته في إسبانيا، ثم دخل في موجة بكاء شديد، واتجه إلى حقيبته في مؤخرة السيارة وأخرج منها علب دواء وصب في كفه 8 أقراص من الدواء دفعة واحدة يريد ابتلاعها. يا الهي ما هذا هل قرر الرجل الانتحار؟ كانت تلك هي أول فكرة خطرت في بالي! 
كان علي التدخل لمنعه من شرب تلك الحبوب. فخطرت لي فكرة: 
سألته لماذا تستخدم هذه الحبوب؟ 
قال للعلاج. 
قلت: هل تريد أن تعالج نفسك وتتركني! ألسنا أصدقاء؟ 
ابتسم وقال صدقت سأعطيك أنت أيضا ثمانية أقراص من الحبوب. 
قلت له: لا. وتحايلت عليه فأعطاني نصف تلك الحبوب التي كان يريد ابتلاعها. وبعد أن بقيت في يده أربع حبات إقترحت عليه أن يعطيني باقي الحبوب ويغمض عينيه لكي أضعها له أنا في فمه ويشرب عليها الماء، عندها لن يشعر بوجودها لأنه سيبتلعها بسهولة. 
وهكذا حصلت منه على جميع الحبوب التي كان يريد ابتلاعها وعدنا إلى السيارة وعاد السائق السابق إلى قيادة السيارة، وعاد "بيكى" إلى مقعده الخلفي. 
عندما اجتزنا مدينة "اكجوجت" المنجمية وتحديدا عند نقطة محاذية لمكان يسمى "أطويلة" أشار إلينا رجل بيده يريد من يقله في طريقه. وعندما لم يتوقف السائق، صاح عليه "بيكى": الله أكبر، الله أكبر. توقفوا توقفوا للرجل. عندها أوقف السائق السيارة وركب معنا الرجل، والذي لم يزد على السلام والصمت. لكني -وللأمانة- لم أنظر إلى وجهه لأنني كنت مشغولا في التفكير في الوضع والموقف الكارثي الذي وجدت نفسي فيه، فأنا معارض في عصر انتشار تهمة الإرهاب وبين يدي مريض يريد الانتحار.
وقبل أن نصل إلى نقطة التفتيش التابعة لفرفة الدرك الوطني على مشارف العاصمة نواكشوط، طلب منا الرجل التوقف للنزول. وبعد أن نزل لفت انتباهي بتقديمه للتحية العسكرية للاسباني المطل عليه من نافذته الخلفية مع قوله لكلمة "شكرا". 
أخيرا وصلنا العاصمة وتوقفنا عند بوابة فندق الهدى بنواكشوط، وبدأ السائق وعمال الفندق بانزال الحقائب وإدخالها... وقد ودعنا السائق وغادر.
وفي تلك اللحظة رفعت الهاتف واتصلت على المنظمة التي نعمل لديها وأخبرتهم بكل ما مررنا به من مشاكل. فطلبوا مني التحمل لأن القضية شبه منتهية. فالاسباني يحمل معه جواز سفره وتذكرة السفر ورزمة من عملة اليورو مقابل الأيام التي قضاها في العمل مع المنظمة. 
سألت "بيكى" عن تذكرة سفره لأتأكد من موعد مغادرة الطائرة. فقال لي: ههههه جواز سفري سرقته أنت. 
قلت في نفسي يا إلهي متى ينتهي هذا الكابوس. وكررت السؤال أين جواز سفرك والتذكرة من فضلك؟
قال: لقد قمت برميهم عند أول توقف فوق جبال آدرار! 
اعلنت المنظمة حالة استنفار قصوى بعد أن قمت بإيصال المعلومات لهم. كانت الساعة السادسة مساءا تقريبا. وقد استجابت السفارة الاسبانية بشكل سريع، حيث ابلغوني بأنهم سيستخرجون له وثيقة سفر قبل وقت الرحلة من مطار نواكشوط الدولي. لكن بشرط أن أحضر لهم صورة شخصية له بسرعة. 
هنا تكمن المشكلة: كيف سأقنع "بيكى" بالذهاب معي للبحث عن مصور يلتقط له صور شخصية في ذلك الوقت المتأخر (19h)؟

#يتواصل

نقلا عن صفحة الكاتب 

----------

الحلقة الأولى