دأب الفقه التقليدي على التأسيس والتبرير لإرادة المتغلب فنصوص الفقه السلطاني تقرر دون مواربة أن من اشتدت وطأته وجبت طاعته وهي بذلك تجعل القوة هي التي تؤسس الحق , وليس الحق هو الذي يؤسس القوة . وبفعل الغلبة وصل النظام الموريتاني الحالي للسلطة فثارت ثائرة الطيف السياسي وبعد شد وجذب تداعى الجميع إلى طاولة مفاوضات أنجبت ما عرف باتفاق داكار الذي أفضى إلى انتخابات رئاسية فاز في الشوط الأول منها السيد الرئيس محمد بن عبد العزيز. وقد طالبت أطراف اتفاق دكار المنهزمة بضرورة الإسراع في تطبيق بقية البنود كفتح حوار وطني شامل وإنشاء حكومة وحدة وطنية وقد أعرب الطرفان الموالاة والمعارضة عن الاستعداد للحوار، وبعد مد وجزر قرر النظام الدخول في حوار بمن حضر ولما أزفت لحظة انطلاق الحوار حول العنوان إلى " الأيام التشاورية التمهيدية لانطلاقة الحوار الشامل " 2015 ثم أعلن بعد ذلك عن توقف تلك المشاورات دون التنسيق مع المتحاورين . وأخيرا دخل النظام في حوار2016 مع بعض أحزاب المعارضة في حوار غير متفق على لحظة انطلاقه ولا على مخرجاته ، بل إن رموز المعارضة المحاورة وقعوا على خلاصات حررها بعض النافذين من الموالاة لم تحصدها أقلام المقررين ، ولا نقاش الورشات وعليها اعتراض من بعض الموالين قبل المعارضين . وقد أثار الموضوع جدلا كبيرا آنذاك . إن مخرجات الحوار في غاية الأهمية من الناحية النظرية أما من الناحية الواقعية فهي مجرد حبر على ورق ولنضرب أمثلة حية على عدم جدية النظام في تطبيق مخرجات الحوار:
هل تمت مراجعة مسطرة الأجور ؟ هل أجريت انتخابات برلمانية ومحلية سابقة لأوانها كانت المعارضة الناصحة المحاورة تراهن عليها ؟ هل تمت هيكلة ومراجعة وكالة التضامن ؟ هل اتخذت إجراءات ومقاربات جديدة بخصوص موضوع العبودية ؟ هل فتحت وسائل الإعلام العمومي أمام المعارضة الناصحة أحرى بالناطحة ؟ هل تم تعزيز النسبية ؟ هل وضعت خطة لتمويل الأحزاب ؟هل تم تقديم اعتذار أو تفسير أو تبرير للشركاء في الحوار بخصوص تعثر التطبيق ؟
أما ما تم فعلا تطبيقه من المخرجات فهو النشيد ، والعلم ، وإلغاء الشيوخ .وهكذا يبدو للقارئ المحايد أن الحوار كان يستهدف غرضا رئيسا واحدا وهو إلغاء مجلس الشيوخ، وتظهر المخرجات الأخرى مجرد وسائل وأدوات للتمويه والتعمية على الغرض الرئيس. وخير دليل على ما نقول تعثر تطبيق المخرجات منذ البداية وأخيرا غياب الوزير الأمين العام المكلف بملف الحوار في سابقة لم يشهدها تاريخ البلد وهي شغور منصب ثالث شخصية في هرم السلطة التنفيذية لما يزيد على شهرين .رسالة النظام هذه – في نظري – ليست مشفرة وبالغة الخطورة لمن يهمهم الأمر. أليس في الأمر عدم احترام للرأي العام المحلي والدولي الذي تابع مسار أنفقت فيه أموال باهضة من خزينة الدولة وكان يعول على نتائجه اقتصاديا وسياسيا ؟ أليس في الأمر استهانة وتقليلا من شأن المعارضة المحاورة " الحميدة " ، ألا يخجلها ذلك أمام الرأي العام وأمام قواعدها وحواضنها الشعبية ؟! ألا يجعلها ذلك موضوعا للتشفي من قبل المعارضة الممانعة ،التي رفضت الوقوع في الفخ ؟ أين المعارضة المحاورة ؟ لم لا تحتج على ارتفاع الأسعار، وانحسار الحوار، والتلاعب بكبريائها، وتدني صرف العملة ، ومؤشرات الجفاف ؟ يبدو أن البحار التي تغذي صبر" المعارضة" المحاورة لا شواطئ ولا ضفاف لها فهل يعود ذلك إلى طعم مائدة الحوار ، أم أن وراء الأكمة ما وراءها مما قد ينبثق بين الفينة والأخرى ؟ ! وفي ظل هذه الوضعية يثار السؤال التالي أيهما أهدى سبيلا وأقوم قيلا معارضة الحوار أم معارضة المراجل ؟ّ!