هل هناك طعم واحد للظلم؟ هل لممارسة الانتهاكات والجرائم، بلا رادع قانوني أو أخلاقي، كتيبات توزع على الغزاة والمحتلين ومن يحكم بالنيابة، فتضمحل الفروق عند تفحص لا إنسانية النتائج؟
ثلاثة أحداث مرت في الأسابيع القليلة الماضية تقودنا إلى التساؤل حول تشابه طبيعة الظلم وتمحوره من شكل إلى آخر مهما اختلفت البلدان. تم الحدث الأول، فجر يوم الخميس 15 شباط/ فبراير، في فلسطين المحتلة، حيث أعتقل جنود الاحتلال الإسرائيلي الشاب الفلسطيني ياسين عمر السراديح، البالغ من العمر 33 عاما، فور محاولته الوصول إلى منزل خاله الذي تم اقتحامه من قبل الاحتلال. اعتدت عليه بالضرب المبرح، وتحديدا على معدته وظهره، أمام الجميع، وتم سحله وتقييده وأخذوه وهو لا يعاني من أي مرض، قال شقيق الشهيد سليمان. مساء، أبلغت سلطات الاحتلال عائلة الأسير ياسين، باستشهاده. في اليوم ذاته، في مدينة البصرة، جنوب العراق، تم الحدث الثاني. حيث اعتقلت القوات الأمنية المشتركة الشاب حازم مهلهل حسين، البالغ من العمر 35 عاما. تم، بعد ساعات من اعتقاله، إبلاغ عائلته بوفاته. لم يكن الشاب يعاني من مرض « وتوفي حازم بعد ساعات من اعتقاله في ظروف غير واضحة»، حسب مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في محافظة البصرة، داعيا اللجنة الأمنية في مجلس المحافظة إلى « فتح تحقيق بحادثة الوفاة، ومراعاة حقوق الإنسان، خلال حملات بسط الأمن من قبل الأجهزة الأمنية». قام مجلس المحافظة بتشكيل لجنة تحقيقية لتقصي وقائع الحادث. وإذا ما حدث وانتاب القارئ بعض الأمل، في إظهار الحقيقة، عبر لجنة التحقيق، فلابد أنه لا يعرف أن تشكيل لجنة تحقيق حول أي قضية كانت، يعني طمر القضية تحت كومة من اللجان. إنها ملح يُصب على الجروح.
يقودنا الحدثان، بواقعهما اللاإنساني، واختلاف الجهات المسؤولة، وكون الجهة الأولى قوة احتلال والثانية قوة أمن «وطنية»، إلى النظر أعمق في طبيعة الظلم، وتشابهه، وشموليته التي تدفع الكثيرين إلى القبول بمنظور، انطلق من أمريكا اللاتينية حول وجود استعمار خارجي، أوضح أشكاله الامبريالية والرأسمالية المتوحشة، واستعمار داخلي يتمثل بالأنظمة « الوطنية» القمعية في مرحلة ما بعد الاستعمار أو التحرر الوطني. تتحكم بالعلاقة غير المتكافئة بين الاثنين الحاجة إلى السوق ومصادر الطاقة من قبل الأول والحاجة إلى الحماية وديمومة البقاء في السلطة من قبل الثاني. كلاهما يمارس القمع بدرجات، وإذا ما اختلفت درجة القمع، فحسب الحاجة وتواطؤ الصامتين». من الصمت إلى التواطؤ ليس هناك سوى خطوة واحدة»، يقول جان بول سارتر.
يتعلق الحدث الثالث لا بارتكاب جريمة القتل المتعمد، كما في حالة الشابين الفلسطيني والعراقي، بل بسلب حق الحياة، في المعتقلات. ففي فلسطين يسلب المحتل حياة المئات من الأسرى على مدى عقود. نائل البرغوثي، أقدم الأسرى في العالم، كان في التاسعة عشرة حين اعتقل وقد تجاوز، الآن، الستين.
في العراق هناك معتقلون منذ عام الغزو، استنادا أما إلى وشايات « مخبر سري»، أو بتهمة الإرهاب. اعترف النظام بأن شهادات أكثر من 300 مخبر كاذبة، مما يعني أن الآلاف من ضحاياهم أما لايزالون في السجن أو أعدموا، ومع ذلك، لم تتم مراجعة الأحكام الصادرة بحق ضحاياهم. كيف ستتحقق العدالة؟
أما في أمريكا، فمعتقل غوانتانامو وصمة عار لا تمحى ببلد يمنح نفسه غزو بلدان أخرى لأنها لا تحترم حقوق الإنسان. في أمريكا، في ظل « العدالة الأمريكية»، حُكم على د. رافل ظافر، وهو طبيب عراقي أمريكي، متخصص في علاج الأورام السرطانية، في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2005، بالسجن مدة 22 عاما. اتّهم د. رافل بجمع تبرعات، وإيصال شحنات أغذية وأدوية إلى العراق، في سنوات الحصار التي أودت بحياة آلاف الأطفال. وهي جريمة بررتها وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت، عند سؤالها عما إذا كان هذا ثمنا يستحق الدفع لأسقاط النظام العراقي؟ فقالت نعم إنه يستحق». وهي الفترة التي استقال أثناءها اثنان من ممثلي الأمم المتحدة في العراق وهما دنيس هاليداي وهانز فون سبونك. عن سبب الاستقالة، صرح دنيس هاليداي قائلا: إن ما يحدث هو جريمة إبادة. استخدم مفردة إبادة لأنها سياسة متعمدة لتحطيم الشعب العراقي». لم ينكر د. رافل « تهمة» إرسال المساعدات، الموجهة ضده. وبينما قضى سنوات حكمه الأولى في سجن، على مقربة من مدينته، إلا أن تصاعد حملة الكراهية ضد المسلمين وسياسة « الحرب على الإرهاب»، أديا إلى وضعه في سجن مشدد الحراسة، مع محكومين مسلمين، ويطلق عليه أسم « غوانتانامو الصغير».
وعلى الرغم من تدهور صحته وإصابته بالعديد من الأمراض وتوفر فرصة تقديم طلب إلى الرئيس أوباما التماسا للرأفة والعفو، لكنه رفض القيام بذلك، قائلا: «كيف يمكن لشخص بريء مثلي أن يطلب تخفيف الحكم عن تهمة مزعومة، من مجرم، بغض النظر عمن يكون؟»
هل مفهوم الظلم واحد؟ بالنسبة إلى الدول العربية، حاول تقرير الأمم المتحدة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) المعنون «الظلم في العالم العربي والطريق إلى العدل» تقديم تحليل لظاهرة الظلم المستشرية في البلاد العربية، أسبابها وإيجاد السبل لمعالجتها. وجاء وأد التقرير المهم على يد الأمانة العامة للأمم المتحدة التي قامت بحجبه بعد يوم واحد من نشره في كانون الأول/ ديسمبر 2016. كان التقرير صريحا في تشخيصه طبيعة التوافق بين الاستبداد المحلي (أو الاستعمار الداخلي كما بات شائعا) والاستعمار الخارجي، وتحميلهما مسؤولية ما يدور في العالم العربي، من قتل المتظاهرين، والمعتصمين العزل، واضطهاد الناس على أساس الدين أو العرق، والانقسام الطائفي وانتهاك حقوق الإنسان، ونشر ثقافة مشوهة سواء ادعت انتماءها للحداثة أو للتراث تكرس الخضوع للاستبداد والبطش. بالمقابل، يؤبن الاقتصادي الأمريكي جوزيف ستيغليتز، الحائز على جائزة نوبل لعلوم الاقتصاد، العدالة « فبدلا من العدالة للجميع، نحن نتطور إلى نظام عدالة لأولئك الذين يستطيعون شراءها». فهل بإمكان الباحثين عن العدالة استعادة مسارها قبل ان تكون سلعة معروضة للبيع؟
نقلا عن القد س العربي