الكتل الانتخابية في دول إفريقيا الساحل والصحراء، تمثل حجم الأحزاب السياسية الصغيرة، وللحفاظ على ولاءاتها الانتخابية تتطلب مراسا ومرانا، ومعرفة دقيقة بمفاتيح الجغرافيا الطبيعية والبشرية لهذه الكتل.
و من ذلك ما هو تاريخي ، ومنه ما هو توليفة مصالح، ومنه ما هو متغير، ومنه ما تأتي تحالفاته متسارعة، لا تدرك إلا بعد فوات الأوان.
وسواء كانت ترمز تلك الكتلة لقبائل أو شرائح، أو مجموعات تأطير سياسية، أو نقابات تدافع عن مصالح، أو حركات اجتماعية مطلبية ، أو حركات طلابية وشبابية ، أو تيارات صوفية، أو أصحاب رؤوس أموال ،أوصحافة رأي أو موجهين تربويين يمثلهم الآن في بلدنا ، تلامذة الداعية محمد ولد سيد يحي، وجماعة التبليغ، والحراك العلمي للنصرة، ورموز التيار العلمي لصناعة المحظرة، والزوايا التصوفية راسخة القدم في أخوة المحبة في الله وعلم التوحيد.
فإن المحافظة على مفاتيح هذه الكتل ، يتطلب دراسة متأنية لمتغيرات وتاريخ ومستقبل روافد الكتلة الانتخابية،وبرامج تواصل معها منبثقة من رؤية تنزل الناس منازلهم، وتأخذ العصا من الوسط، ولا تراهن على التخمين الخادع(انتخابات الشيوخ كانت مثالا)، أو على المغامرات الفردية لبعض الأطر والوجهاء، الذين خبرنا أوهامهم في التصويت على التعديلات الأخيرة، ورأينا أزيز صيفهم الحار في ما انفرط وما انتشر من لهثهم.، وما فشا من خبرهم.
لا يبدو أن أشكال التنظيمات الحزبية القائمة، التي فقدت البريق في(أحزاب المخزن) و(أحزاب شعار الرحيل)، قادرة على توجيه مفاتيح أغلب الكتل الانتخابية، التي يرمز لها جدول آخر إحصاء صادر عن هيئة الإحصاء العام للسكان والمساكن في موريتانيا(انظر الجدول المرفق)
وذلك لثلاثة أسباب :
1- فئة الشباب المكون الأبرز، أصبحت واعية، لم تعد مدجنة وتملك رؤاها، وتعرف بوضوح احتياجاتها، وستمارس رفض أي شكل من أشكال التوجيه والاستغباء، وقد تقلب الطاولة في أية انتخابات شفافة قادمة ، على طرفي الأغلبية والمعارضة.، أغلبية "تتمزق" و معارضة " تتلون".، تجربة أعرق ديمقراطيتان في الغرب (فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ، سيناريوهان تؤخذ منهما الدروس).
2- أشكال المعارضة التقليدية بدأت تتبخر بسبب فئتي
(حركات اديولوجية ذهب بريقها ، وخف وزنها)،
ذهب نشاطها، تسارع أفولها و(فئة شاخت أعمارها ، وابيضت عوارضها ، والشيب كما يقال رسول الردى أو بريد الموت) ، إذ لم يعد يرضي بإمامة أغلب قيادات (مصالح الأفراد) ، جيل مستقبل المساجد والجامعات والمصانع ، جيل الرُّمح القويم، الذي يحمي بظله، ويكمل بعنفوانه بناء الوطن، بأخلاق تؤدته وبخبرات علمه، وبروحانية إيمانه وإخلاصه.
3- الأطر التقليدية، التي تمثلها أرتال (سكان الأرياف والمجموعات العرقية، والقبلية، والمناطقية) والتي كانت سندا للمخزن الذي يهب "لكناشاته وهياكله وووحدات حزبه" أعطيات العقارات، وهبات الأقنيات، ومراكز الوظائف، وامتيازات مغانم السلطة والشهرة،
والولاء والردع، لا يبدو أنها براحلتها ومرتحلها ستكون حيادية في معركة الانتخابات المقبلة، لأسباب الفراغ الكبير الذي خلفه غياب جيل تأسيس( أكثر قياداته قضت نحبها، تاركة فراغا لا يسد).
و بسبب عجز الحزب الحاكم الآن وقنواته ،عن دراسة أحرى ملئ الفراغ الكبير هذا.
وبفعل عجز الإدارة وقوالبهاالآن، عن فهم الجغرافيا البشرية وكيانات الساكنة التي ملأت التخطيط العقاري الجديد.
فنحن وأنتم ، نشاهد تمددا في المساكن والمرافق، وحياة عمرانية جديدة تكتسح أغلب المدن والتجمعات السكانية بنواكشوط ونواذيبو، وعبر طول وعرض البلاد.
لكن لا نعرف بقياسات استطلاعات علمية أو اعلامية ، ولا بدراسات مراكز أبحاث متخصصة، مشاعر سكان هذه الكتل الانتخابية بالضبط ، ولا نفهم وشائجها ولحن صحائف آيفونات عمارها.
بشكل واضح لا نعرف أفكارها وتوجهاتها، وهذا هو المجهول المخيف الذي يرعب السكان ويجهد (حراس الأمن إذا حل الظلام)، ويهدد بقيامة ( إذا وزعت غدا صناديق الاقتراع في شكل أية انتخابات حالتها حالة ابيومترية والمترشحون فيها بالعشرات).
تدركون إن عميت أبصاركم، أو تصاممت آذانكم، أو خرست ألسنتكم، أو أصاب الإغلاق عقولكم، حال مدارسنا التي غزتها المخدرات وفتن الشهوات والشبهات.
تشاهدون حال بيوتنا التي غزتها المسلسلات المدبلجة، وجاس خلالها ، سائل رقمي لا يستأذن، وهو يتلاعب بالقائم في السفينة، ومن يخرقها من زواياها الأربعة(نساء وأطفالا، شبابا وشيبا)، فلا آمر بمعروف يسمع هناك، ولا ناهي عن منكر يستطيع أن يرى رؤيا أو يفري فرى.
أما حال جماعاتنا السياسية وأحزابنا الكرتونية، فقد تناهبتها " بشمركة " قال وقيل، وتحاومت مجالسها
" سماسرة" منعا وهات.
في الانتخابات الفرنسية تشتت " الكتلة الانتخابية"، فهوى اليسار السياسي بنقاباته، ومات اليمين السياسي بليبرالياته.
رغم أن (المخزن) فطن لذلك ،فاستيقظ مبكرا، كانت النتيجة (إلي الأمام ،لا يمين، ولا يسار)، لكن( فرنسا ماكرون) لا تزال تترنح،في كبريات الملفات الخارجية، ولا تزال تعيش حالة الطوارئ في مجال الأمن والاستقرار.
في الانتخابات الأمريكية،( سقط الديمقراطيون فجأة ، وخسر الجمهوريون أبهتهم)، والترنح أو التزحلق الذي يقوده الفريق الفائز ب "حسابات اللحظة الأخيرة" ، باد في ميدان الأمن القومي، وفي أروقة دبلوماسية العالم ودبلوماسية البيت الأبيض الذي أصبح (بقرة صفراء) داكنة اللون.
في الروس، "الدب الروسي" أكل الشيشان والشام، ومدد لنفسه في الزمان والمكان، بسبب حروب الغاز، وبيع السلاح، ولعبة غزو الجيوش الالكترونية.
في الصين أصبحت المأموريات مدى الحياة، واللاعب الصيني أصبح لاعبا في القارات الخمس، يغزو بطريق حريره ( الأسواق، والكتل البشرية، ويتاجر بجميع الملل والأديان).
في إيران المد الشيعي يكتسح العواصم التاريخية العربية الثلاثة :(بغداد التي أسسها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور (145- 149 هـ) 710 ميلادية على شكل دائري، دمشق أقدم عاصمة تأسست قبل أحد عشر ألف عام تقريبًا665م، ، مأرب عاصمة الملكة بلقيس ملكة مملكة سبأ باليمن 950 ق.م)
نذكر بذلك عقلاء وحكماء موريتانيا.
لقد تشتت الكتلة الانتخابية في أعظم ديمقراطيات الغرب المسيحي(أمريكا، وفرنسا، اسبانيا ، وبريطانيا، ألمانيا، وايطاليا)، ولا يزال "العصف الذهني"، ومستقبل الاتحاد الأوربي، والنظام الرأسمالي محل دراسة ،ومجال اختلاف كبير.
لقد انتهى عصر خلاف (الدب الروسي، والمارد الصيني)، وحلت المصالح محل الايدولوجيا الشيوعية، وقادت(الوثنية الديمقراطية) إلى التمديد المقنن لرمزي تجربة(أنابيب الغاز الروسية، وطريق الحرير الصينية).
وفي عالم عربي مسلم جريح، وقارة افريقية ملحقة، لم تعد الأحزاب والديمقراطية وسيلة للحكم، ولم تعد الرفاهية والتحرر هدفان لمن يحكم حزبا كان أم رمزا.
الفضاءان(العربيان والإفريقيان) الآن مختبرات استهلاك للمستوردات، وحروب وكالة بين الغزاة والغلاة والطغاة.
نقول هذا ونكرره على مسامع آذان ، و حدقات أعين الجميع.
أنتم تعيشون بين حاجز جغرافي عاصف، توطنه التصحر وسكنه الفقر، واجتاحته هجرات زاحفة ، يسمى قطب دول الساحل والصحراء(قطب مستودعات الإرهاب، والمخدرات، والتهريب الآن).
ثم أنتم على ضفاف محيط أطلسي بجوار بحر أبيض متوسط، بحور لم تأت بغير غزاة الحرق وغلاة الهدم وجفاة نهب الخيرات.
الكتلة الانتخابية هي صمام الأمان، والقائد الرمز الذي يحقق إجماع أغلبية مريحة من هذه الكتلة المهددة بأكثر من مرشحين.، هو واسطة العصا.
حراس هذه الكتلة وجود النظام أولا، و المجتمعات ثانيا ، و حكمة رشداء وعقلاء البلد ثالثا ، فلا تشتتوها بين مصالح آنية لمرشحين ،ولمتحزبين، ولطوائف.، ولا تتأخروا في دفع القائد الرمز أن يستلهم من دروس تجربته الديمقراطية التي صنع شهدها من بين غابات النحل، إجماعا حول خروج آمن لفريق المنصرفين، وبقاء آمن لرسالة المنتصرين، رسالتهم جميعا (رؤية،ذاكرة، بصمات استقرار وبناء).
لنأخذ العصا من الوسط ، نحن أمة الشناقطة الأنف، أمة عاصمتها رباط مئذنة لا يسار يحكمها، و محظرة لا يمين يحجبها.
سمع ذلك تلامذة ماكرون، أو عقله تلامذة من له لسانان ووجهان ، لا يبينان خطابة، بسبب نحس الرطانة ، ولا يشعان وضاءة، بسبب نحس الكؤوس.
لا مساومة على الكتلة الانتخابية، وعلى العهود مع القائد الرمز، من رسم رؤية التغيير،وخاض غمارها.
الله أكبر إذا خشعت الأصوات وحصحصت بيانا .. والله أكبر إذا عنت الوجوه للحي القيوم إنابة وقياما.