بعد أن تأكّدنا جميعا موالاة ومعارضة مغادرة الرئيس عزيز السلطة بعد أقل من 16 شهرا، أعتقد أنّ الواحب الآن يدعو إلى تضافر الجهود لإتقان عملية التناوب على السلطة بشكل سلمي وديمقراطي. فالأمر يحتاج إلى اليَقَظة والتشاور والتعاون، ولا ينبغي النظر إليه بصفة كَونه تحصيل حاصل. إنّ موريتانيا اليوم أشبه ما تكون ب"كَرْشَه مسلول اخلالها" كما يقول المثل. فهي "كرشة" من باب تَنَوُّع واختلاط ما بداخلها. إذا كانت "الكرشَة" تجمع في آن واحد "مصران" و"مگلوب" و"كلوَ".. فإنّ موريتانيا تجمع بداخلها الحابل والنابل والأخضر واليابس، إلخ.. و"العُود" الذي يربط هذه "الكرشة" هو الرئيس عزيز لجِهَة أنّ الموالين يجتمعون على موالاته، والمعارضين يجتمعون على معارضته! وبالتّالي، فإنّه إذا غابَ أو "سُلَّ" بطريقة غير حضريّة قد يؤدّي ذلك إلى تَبَعثُر العِظام واللحوم على غِرار "كرشَه مسلول اخلالها"، وسوف تتطايَر شظايا الموالاة والمعارضة وما بينهما في كل مكان. ولذا أعتقد، وأنتم أدرى، بأنّ البلد يحتاج إلى التخفيف من "الحدية" و"التّصعيد" من كلّ الجِهات والبحث عن حلول ومواقف وسَطيّة كي نتَحَكّم في مسار الأحداث ونُوَدِّع الرئيس عزيز ونستقبل من يُنتَخَب بعده في أحسن ظروف ممكنَة؛ لأنّ الوضع يحتاج إلى الكِياسة.
وتعليقا على هذا، ربّما يقول قائل: أتدعونا لترك النظام يفعل في الساحة ما يشاء، ويستخلف من يشاء؟ والجواب: لا أبدا! ما أدعو إليه هو مواصلة النضال والضغط، ولكن ضمن استراتيجية ومنهجية مختلفة باختلاف الظروف. نحن كنا نناضل ونضغط لفَتح باب رئاسة مغلق، واليوم نناضل ونضغط لفتح باب رئاسة مفتوح! هل نبقى على نفس الخطاب؟ ونفس الآليات والنّهج؟ إنّ أي عاقل سوف يدرك بأنّ كفاحه ضد رئيس مغادر لكرسي الرئاسة وخارج دائرة الترشّح لا بُدّ وأن يكون مختلفا عن كفاحه ضد رئيس معاند ومصرّ على البقاء لمأموريّة رئاسيّة ثالثة.
وفي مجال التعاليق دائما، ربما أجد من يقول لي: أتدعونا لأن نودّع رئيسا هكذا، وقد ارتكب ما ارتكب وصنع بالبلد ما صَنَع، إلخ؟ الجواب: وهل بقاؤه هو الحل؟ إذا لم يكن الحل في توديعه باحترام، فهو قطعا ليس في بقائه! إنّ متابعة تلك الأمور، إن صحّت أو وجِدت، تتعلق بالقضاء الموريتاني متى طرحت أمامه وقرّر النظر فيها ومعالجتها. والعَجلة فيها لا تقدّم ولا تؤخِّر. سوف يأتي يوم من الأيام (الله أعلم متى يأتي) تطرح فيه ملفات عن رؤساء عديدين و وزراء سابقين وغيرهم بين يدي القضاء لينظر فيها، و"يَمْحُو اللهُ ما يَشَاءُ ويُثْبِتُ"،، تلك أمور يعرض لها في حينها..
الآن، دعونا نؤمّن 2019 من كيد الكائدين، أعنى أولئك الذين يتربَّصون بنا الدوائر، ويَتَحَيّنون الفرصة بحثا عن أي ثغرة سياسية أو مجتمعية أو أمنيّة أو حتّى مناخيّة للانقلاب على مسار التناوب برُمّته،، وفّقنا الله جميعا لما فيه خير البلاد والعباد..
-------
نقلا عن صفحة الكاتب