في المشاهد المفبركة: هل أنت ملتحٍ .؟!

خميس, 2015-01-22 23:47
 لينا أبو بكر

عزيزي القارئ، أقترح عليك قبل أن تبدأ قراءة هذا المقال بسن شفرة حلاقة أو موس حاد، أو التوجه إلى الحلاق مباشرة، حتى تكون مستعدا لتجنب أية شبهة إرهابية، يمكنها أن تورطك في جريمة تربية اللحى على الموضة الإسلامية!
لن تنفعك إذن الدراسة التي أجراها الباحثون في جامعة «نيو ساوث ويلز الاسترالية قبل فترة «لمجلة» بيولوجي ليترس» التابعة للأكاديمية الملكية للعلوم في بريطانيا، والتي حظي بها الملتحون بنسبة التفوق على غيرهم بالجاذبية وحدها، فما قبل «شارلي إيبدو»، ليس كما بعدها، لأن فصيلة دم اللحية لن تشفع للهواة في قرية (شومبرغ) بولاية (بادن فومتبرغ) الألمانية بخوض تقليدها التنافسي بعد اليوم لتكريم صاحب أطول لحية في البلاد، ولن تستغرب لو شاهدت حملة دولية مضادة تقضي بحف اللحى والشوارب، بل وحتى الحواجب لاتقاء الشبهات!
كل ما نحتاجه كمسلمين لتحسين صورة التاريخ هو مواجهة قراصنة بحر الكاريبي بصاحب اللحية السوداء، الإنكليزي (إدوارد تيتش أو تاتش) الذي عاش بين القرنين السابع عشر والثامن عشر، واشتهر بربط لحيته الطويلة بشريط يثبتها به حول أذنيه، لتفاقم هيئته من سوء سمعته كلص مُلتحٍ وغازٍ وطريد، فكيف أصبح في ما بعد رمزا فلكلوريا للرجل الأبيض؟ وكنزا ثقافيا، ولعبة سينمائية أغوت صناع الأفلام بالكثير من القصص والحكايا المشوقة التي برأته من كل قرصناته فحولته بلمحة هوليوودية من مجرم إلى بطل أسطوري؟
هل نحن إذن أمام حرب جديدة قوامها اللحى؟ هل يصبح المسلم في الغربضحية لحيته؟ هل تصبح لحيته جناية إرهابية؟ أم مادة كاريكاتيرية؟ آخ يا «زول»، ماذا تفعل بتقاليدك ومفاهيمك التراثية عن الرجولة التي لا يكتمل نصابها إلا بالشنبات وتوابعها؟ هل يأتي يوم على هذا الزمن تتشقلب فيه مقولة ديكارت لتتخذ منحى جديدا يليق بالمرحلة: «أنا مُلتح فأنا مفقود»! ويلي عليك أيها العربي، لم يبق لك من رجولتك سوى القسم بلا شوارب!

مجزرة إعلامية

المشهد كان مفبركا، تماما ككل المشاهد التاريخية التي خضعت للمنتجة السياسية، لحاجة في نفس يعقوب، فمنها ما تم تحميضه في غرف الغاز، ومنها ما يتم نشره كغسيل مبلل بماء النار على شباك الجحيم.
ارتكبت باريس في ساحة الجمهورية أكبر عملية إرهابية في التاريخ عندما سمحت لعراب الإرهاب نتنياهو بالتظاهر ضد نفسه، ولم يكن ينقص هذه العملية سوى تغليفها بقفازة نسائية من صوف «المعيز» تخفي بصمات الجنحة وتجري لها عملية تجميل مشوهة، لأن حضور الزعماء العرب وعلى رأسهم رئيس السلطة الفلسطينية أشبه بمن يدخل حلبة رقص تنكري على الطريقة الهندية، بل هو أشبه ببحيرة بجع أمَّها هؤلاء لاستعراض (باليه) سياسي بسيقان عرجاء، بمعنى آخر ربما كنا سنصدق الضحية ونتعاطف معها أكثر لو لم تكن هذه التوليفة الإرهابية لكل هؤلاء الزعماء هي ورقة اليانصيب المغشوشة التي لعب بها الإعلام الغربي ليدر عليه أرباحا مجانية من جماهير فائضة عن حاجة الحدث، حقنها بأمصال إخبارية تصيب المتابع بحساسية مفرطة مما يسمى «الإسلام»، تتطور إلى عارض جلدي مزمن أقرب إلى (الجَرَب)، حيث تستفحل الفوبيا من ديننا الحنيف وتحوله إلى طاعون فتاك يهدد أوروبا ويعيدها إلى عصورها الوسطى!!
حسنا إذن ليس أمامك كمشاهد عربي سوى حل وحيد: أن تحسد ضحايا (شارلي إيبدو)، لأن ضحاياك في غزة واليمن وسوريا وليبيا وتونس والعراق ومصر ولبنان ليسوا أكثر من عروض شرائية أو تنزيلات تجارية، لكل ضحية ضحية أخرى مجانا، فهل هزلتْ؟
أين يكمن المكر؟ وأين يستبد الهبل في هذه المجزرة الإعلامية ما بعد ساحة الجمهورية؟

أنا «راشيل كوري»

أما الهبل ففي وصلات الماراثونات الإعلامية التي تدين وتشجب وتتعاطف، ولا تسخر الحدث لصالح التحايل على الحقيقة، لأن أرسطو كان على حق عندما اعتبر أن البحث عن الحقيقة لن يؤدي إلى العثور عليها، ولذلك تحديدا كان لا بد من تجنب الخوض فيها، والانحراف عن مسارها بمقدار 360 درجة، لصنع حقيقة أخرى، أو استدراج حدث أرشيفي إلى ساحة الحدث الراهن، بدل الانغماس في فنون الموت القتالية الأشبه بالرقص القبلي الذي تتشابك فيه الأيدي وتنثني السيقان، حتى الهلاك في حلقات العبث الحوارية! 
في هذا الوقت بالذات لا بد من البحث عن ضحية أخرى، ضحية جاهزة سلفا، ومؤهلة لإقناع المشاهد الغربي بعدالة المخيلة، مادامت الحقائق محظورة، ومصنعة، وهنا فقط يجب أن نستبسل بمقاومة يقين ( هيجل ) عندما ظن : أن ما نتعلمه من التاريخ هو أنه من المستحيل أن يتعلم البشر من تاريخهم!
لمرة واحدة فقط نريد أن يكون إعلامنا بمستوى تضحياتنا، كان علينا جميعا أن نرفع وسط ساحة الجمهورية شعار: «أنا راشيل كوري»، الناشطة الأمريكية التي قتلتها اسرائيل في 16 آذار/مارس 2003، في مدينة رفح، وهي تحاول بسلمية أن تمنع جرافة صهيونية من نوع « كاتربلر» طراز «R-D9»من هدم أحد البيوت التي احتضنتها، فدهستها مرتين، بإصرار واضح على ارتكاب الجريمة، دون أن يولي الإعلام الغربي أي اهتمام بمواطنته، لا بل إن القاضي الاسرائيلي وضع اللوم على كوري، فأية ضحية هذه التي نخونها قبل أن يئدها إعلام الكاوبوي المعاصر؟ أليست الخيانة أشد من القتل؟ 
قد تدري أو لا تدري أهو فعلا هبل أو غفلة أم تعمد مقصود أن لا يرتقي إعلامنا العربي إلى مستوى الضحية!
كل ما نشاهده عندما يحمى الوطيس هو استوكات برامجية تجتر نفسها، و(فَعْفَلِة ديكة) على طريقة ضيوف «الإتجاه المعاكس»! صدق آلبرت آنشتاين إذن لما تنبأ بمعارك العصي والحجارة في حرب عالمية رابعة، ربما هي التي تلي الحرب الإعلامية التي نراها الآن، الأدهى والأخطر في تاريخ البشرية، لأنها لا تشوه الجينات بقدر ما تشوه الذاكرة !
خَفْ من ذاكرتهم إذن، لأنك في وثيقتهم التاريخية كاريكاتور لا أكثر!

نجم الإعلام والمصابيح المتكهربة

لأول وهلة ظننت أنني أتابع تلفزيون «الجديد»، فالنشرة الأخبارية لقناة «إل دي سي» بعد الغارة الصهيونية على القنيطرة، التي راح ضحيتها شهداء من رجال المقاومة اللبنانية على رأسهم جهاد ابن الشهيد عماد مغنية، جنحت إلى الأداء العاطفي خلال الحديث عن العدو والشهيد، على غير عادة «القُوّات الإعلامية فيها»، فماذا جرى يا هل ترى؟! حاولت أن أعرف من أين جاء هذا التغير المفاجئ في درجة حرارة النشرة التي لم تتأثر بالمنخفض الجوي «زينة الحلوة زينة»، فاتجهت بصحني الفضائي إلى برنامج «هيدا حكي» على قناة (أم تي في)، لأرى سمير جعجع يطل بصفته حكيما من الشاشة البرتقالية، فهل قامت القيامة في لبنان؟!
بعد مجزرة الرئاسة التي لم تسفر عن ضحايا سوى الكرسي الخالي، وبعد صعود نجم «عادل كرم»، خفتت المصابيح السياسية المتكهربة في لبنان، وتغيرت ملامح الخطاب الإعلامي على شاشاته بشكل ملحوظ، حيث برع «هيدا حكي» بتحويل المجريات المحلية إلى اسكتشات كوميدية استقطبت اهتمام المشاهد العربي، كما اللبناني تماما، وخرجت من إطارها الضيق إلى فلك أوسع، جمع هموم السياسة مع السخرية الهزلية والفضح التهكمي لعوراتها ثم اللقاءات الفنية بمشاهير عرب ونواب ورياضيين، وإعلاميين، وكل هذا ونحن نتحدث عن نسخة جديدة من برنامج باسم يوسف قد تحاكي نجاحه لأنها اعتمدت أصلا على ممثل له باع زمني وخبراتي طويل في تقمص هذا الدور ضمن مسرحيات أو مسلسلات كوميدية لم تحقق الاستقطاب العربي الواسع الذي نشهده في»هيدا حكي».
لبنان قد لا يعود تنورا كما كان، ربما يحوله الإعلام إلى (تمبك معسل)، أو قارورة أرجيلة، إلا في حالة واحدة، عندما يتعلق الأمر بالمقاومة، فثقافة الشماتة بالشهيد تستشري على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أحداث القنيطرة، من قبل ناشطين معارضين لحزب الله وشيخ مقاومته ونظام البراميل السوري، إنها تفتح جهنم أبوابها لحروب رخيصة ولكنها الأسرع اشتعالا…فيا الله ما أبشع الجهل!!
لن أضع اللوم على الشهيد ولكنني سأكتفي برسالة أخيرة : 
( أسامحك الآن؟ لا ولكنني جئت أحمي وراءك، حتى انقضاء المهامْ!
أسامحك الآن؟ لا، يستحيل ولكنه ممكنٌ لو أرى شال زينب من دم ذئب النبي بريئا، وحين أصدق أن الطريق إلى القدس تبدأ من حفرة الانهدام بأرض الشآمْ)!