الأحزاب ورهانات المرحلة

جمعة, 2018-03-23 15:21
سيدى المختار علي

تسعى الديمقراطية إلى تمكين الشعب من تدبير شؤونه بنفسه عبر مجموعة من الوسائط بما فيها ترتيب الفعل السياسي وفق أطر ناظمة تسمى الأحزاب والتي تعتبر بمثابة مشاريع وتصورات ورؤى  تسعى إلى تحريك الحاضر واستشراف المستقبل وتنتظر الفرصة للوصول إلى سدة الحكم لتطبيق برامجها المحينة عبر الانتخابات وتلعب الأحزاب في الديمقراطيات العتيدة أدوارا تثقيفية و تنويرية واجتماعية وحقوقية بفعل أنشطتها غير الموسمية كما تسعى إلى إشاعة ثقافة العيش المشترك وتقوية اللحمة الاجتماعية و إذابة الفوارق الإثنية و العرقية وخاصة في الدول المتعددة الإثنيات.

وتبدو ديمقراطيتنا كما لو كانت عليلة فهي كالمنبت الذي لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع .فطابعها الأساسي هو الصورنة ومنزعها الأهم هو التمويه والمخاتلة . إن معظم الأحزاب لا تحمل مشاريع دولة ولا تتضمن حتى رؤية جزئية يمكن أن تسلط على قطاع ما فتنتشله  فمعظم الأحزاب- ولا أقول كلها- تفتقر إلى الكفاءات والكوادر الوطنية القادرة على اجتراح رؤى ومقاربات ذات مضامين خاصة لا تشكل نوعا من الاستنساخ لبرامج أحزاب أخرى . ناهيك عن غياب الإرادة الجادة والطموحة لصياغة برامج حزبية هادفة وقادرة على منازلة الواقع واستكراهه على التبدل نحو الأفضل ولن يتم ذلك إلا بواسطة التخلي عن التمسك بقراءات خداج ومقاربات جامدة ومحاولة إنزالها على واقع سيال متحرك .ثم إن ظاهرة التوالد العفوي للأحزاب ميع الحقل السياسي وجعل من ترخيص الأحزاب فرصة للتكسب من جهة وإرواء للشعور بالعظمة الزائفة من جهة أخرى.

ومن العوائق التي تشل حركة الأحزاب ضيق ذات اليد والشخصنة واستبداد رؤسائها بالقرار والموارد . ويعاني الفضاء السياسي الوطني عموما ارتكاسا وتراجعا ليس لأن المواطن الموريتاني يتأفف عن السياسية ، بل لأنه استخلص عبر التجربة الميدانية . إن ساستنا في معظمهم – ولا أقول كلهم – غير مخلصين حيث يملؤون  آذان الناخبين وعودا وأحلاما لا تسعها الأرض وبعد انقشاع المعركة ووصول السياسي إلى مبتغاه تبدو تلك الأحلام والوعود سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.لذلك مل معظم الناس الساسة وزهدوا فيهم ، بل ونبذوهم واطرحوهم .أرجو من ساستنا أن يقرؤ كتاب الكواكبي { طابع الاستبداد ومصارع الإستعباد } إذا كانوا قد قرؤا كتاب الأمير لميكيافيللى فإن ذلك في باب تلوين القراءة وإثرائها وعليهم أن ينفقوا وقتا في قراءة علم النفس السياسي . وعلينا جميعا أن نعلم أن القيادة مركب صعب وفرس جموح لا يستقر على صهوته إلا من كان محترفا .

وأخيرا هل تستطيع هذه الأحزاب بتليدها ووليدها وخديجها ، الحقيقي منها و الإسمي، الموالي الناصع والمعارض الناصح وغيره الناطح  أن تتناصر جميعا أمام لحظة التحدي عبرتنافس شريف في أفق 2019 ولا تدفع إلى الواجهة إلا بمن تعتقد اعتقادا جازما أنه قدر على صنع الفرق.