الشهيد محمد باقر الصدر...وعراق اليوم

اثنين, 2018-04-09 10:16
 حميد حلمي زادة

اننا نقف امام عملاق بل اسطورة في عالم الفكر، لكن هذه الاسطورة لم تتردد لحظة في تجسید المثل الاعلی للمقاومة والجهاد وبذل التضحية والجود...

يقف العراق حكومة وشعبا ومرجعيات دينية وتيارات واحزابا وجمعيات اهلية، عند مفترق صعب ومعقد في الظرف الراهن، نتيجة لنتائج الازمة السياسية وتداعياتها المتواصلة منذ شهر ايار عام 2012 وحتى لحظة كتابة هذه السطور.

بالامس القريب قدم «سقوط بغداد المريع»، صورة حقيقية عن «ماهوية» النظام الدكتاتوري الفاسد الذي لم يوفر أية وسيلة اجرامية دنيئة لتدمير شعبه قتلا وابادة وتمثیلا ومقابر جماعية وتهجیرا واعتقالا ومطاردة طاولت المعارضين واقرباءهم ــ حتى الدرجة الرابعة ــ فضلا عن اصدقائهم.

لكنه ما لبث أن انهار فجأة وبشكل مدوًّ ودون ادنى مقاومة تذكر بعد ايام من الاجتياح العسكري الغربي للبلاد، وليجد العراقيون انفسهم امام مشهد تراجيدي مشين اختفى منه نهائیا «القائد الرمز» ومرتزقته وجلاوزته الذين اولغوا في دماء الابرياء نساء ورجالا واطفالا طيلة 35 عاما.

على صعيد متصل يمكن، وفي ضوء معرفتنا بالنزعة السادية الدمویة للطاغیة الارعن وأعوانه القتلة، وعن حجم الخسارة الفادحة التي لحقت بالشعب العراقي والمرجعية الدينية الكريمة والفكر الاسلامي والانساني في ارجاء المعمورة جراء اعدام الامام السيد محمد باقر الصدر وأخته العلوية العالمة «السيدة بنت الهدى» رضوان الله تعالى عليهما، بأيدي تلك الطغمة البعثیة الفاسدة.

فعلى الرغم من تشدق النظام بالأفكار التقدمية والتنويرية والتحررية تحت ذريعة اعتناق ادبيات «البعث العربي الاشتراكي» الا ان تجارب السنوات الخمس والثلاثين للحكم والسلطة والوحشية في العراق، قطعت الشك باليقين في أن هذا الحزب بزعمائه وافراده، بعيد وغريب كليا عن القيم الانسانية والاخلاقية والحضارية وحتى الرجولية.

وما العثور على «الطاغية صدام حسين» في حفرة واستسلامه المهین للقوات الامیرکیة دون إبداء أیة مناجزة أو مقاومة، مع انه كان مدججا بالأسلحة والمتفجرات إضافة الی صندوق يحوي ما يقارب المليار دولار، الا برهان ساطع على هشاشة العقيدة السياسية والفكرية لهذا الحزب الشوفینی الذي حكم العراق بلغة الحديد والنار، وقتل خيرة أبنائه وفي مقدمتهم الشهيد السيد محمد باقر الصدر، دون ان يراعوا فيه حرمة المرجعية الدينية والعبقرية العلمية التي رفدت المكتبة الاسلامية والعربیة والعالمية بأروع المؤلفات الفقهية والاقتصادیة والفلسفية والتاریخیة والاجتماعية على امتداد اكثر من (30 عاما)، علما ان السيد الصدر استشهد في 8 نيسان 1980 وهو في الثامنة والأربعين من العمر.

مما مضى يتضح لنا اننا نقف امام عملاق بل اسطورة في عالم الفكر، لكن هذه الأسطورة لم تتردد لحظة في تجسید المثل الاعلی للمقاومة والجهاد وبذل التضحية والجود بالنفس في سبیل مقارعة الاستبداد البعثي الصدامي الأسود والإنحراف القيمي الذي طبقه الطاغية وزبانيته، لا سيما على مستوى تكريس الطائفية وحمية الجاهلية والتمییز العنصري في البلاد، فكان الامام محمد باقر الصدر «قدس سره الشريف» بحق ترجماناً واقعیا لتحدي ارهاب الدولة البولیسیة المنظم، ومدافعا حقیقیا عن الوحدة الاسلامية والتلاحم الوطني البعید عن التعصب الديني والمذهبي والقومي، لفائدة ازالة ذلك الكابوس الأسود عن صدر العراق الحبيب وشعبه الأبي.

ان السيد الشهيد كان يحض الشعب العراقي خصوصا وأبناء الأمة الاسلامية عموما علی الإلتزام بالتقوی والزهد والقناعة والتقشف والتواضع في الحیاة وجهاد النفس والورع عن محارم الله جل جلاله، وكان سماحته يحذر المؤمنين من مغبة الوقوع في شراك شهوة التسلط والهيمنة على الآخرين شأن حكام الجور المتجبرين على مر التاريخ، وكان الى جانب ذلك ينادي بوجوب ان يتصدى علماء الدين المجاهدون والمفكرون المناضلون والثوريون الرساليون والجماهير المؤمنة لمواجهة المشاريع والمخططات والسياسات الداخلية والدولية الظالمة.

من هنا يبدو جليا ان العراق حكومة وشعبا وهو يعيش الآن مخاضا عسيرا، مطالب بتقليد هذا النهج التنويري والتربوي الذي سطره السيد محمد باقر الصدر قبل 33 عاما، متأسيّا بسيرة اجداده الاطهار «محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين» مقتديا في تضحيته بالفداء العاشورائي لسيد الشهداء الامام الحسين(ع) في بطحاء كربلاء عام 61 هـ، طلباً للإصلاح في امة جده المصطفى (ص) عبر آلية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك من اجل اقرار الأمن والسلام والمودة بين بني البشر قاطبة.

والواقع ان عراق الیوم هو بأمس الحاجة الی هذه المفردات الایمانیة علی الرغم من تضخم التحدیات الداخلیة والإقلیمیة والدولیة حیاله، لاسیما وأن المؤامرات الغربیة الصهیونیة باتت تناصب العداء جمیع المبادئ الاسلامیة الأصیلة علنا، وهي تستخدم الجماعات التکفیریة المزودة بالأسلحة والأموال والمعلومات الإستخباریة لإغراق ارض النهرین بخاصة والعالم الاسلامي بعامة في المزید من الحروب الطائفیة وسفك الدماء وفوضى الفتاوى المنافية للدين الحنيف والاخلاق النبيلة.

وإزاء ذلك يمكن فهم الدوافع السياسية والمذهبية والقبلية لبعض الجهات المعروفة التي تراهن حاليا على لغة التصعيد والتعنت ورفع المطالب التعجیزیة إمعانا في مناهضة العملیة السیاسیة، وسعیا الی اعادة «العراق الدیمقراطي الحر» الی المربع الاول، أي الى حظیرة «حکام قریة العوجة» متذرعة بالشعارات العنصریة والقومیة ذاتها التي تشدق بها الطاغیة وأعوانه من قبل بدعوی حمایة «البوابة الشرقیة» للأمة العربیة، لکنها في نهایة المطاف اوصلتهم الی الهلکة والهوان وسوء العاقبة في الدنیا قبل الآخرة...

فهل من مدکر؟؟