مثلث الفقر وكسكس الحافي

أربعاء, 2018-04-11 13:51
الحسن ولد مسعود

ليس من يكتب بالحبر كمن يكتب بدم القلب ،وليس السكوت الذي يحدثه الملل كالسكوت الذي يوجده الألم.
حين نتحدث عن مثلث الفقر ،فإننا نتحدث إبتداءا من مركز مال الإداري بلبراكنة ،بالتجاه الشرق إلى الحدود مع دولة مالي...
أخي القارئ إن للإطلاع على أوضاع السكان في تلك المنطقة لا يتطلب منك أن تكون عالم إجتماعي أو إخصاعي تنموي ،فيكفيك أن تقوم بجولة من مقاطعة إلى مقاطعة ،ومن بلدية إلى بلدية ،ومن القرية إلى قرية، ومن أدباي إلى أدباي..حيث سترى الفقر بأبشع تجلياته والجهل والمرض والجوع والبؤس والعزلة وووووو ...
وأنت تتجاوز مدينة كيهيدي حيث يبدأ المشهد الحزين ،تبدو القرى بأبنيتها المشيدة من الطين ومغطات بالحطب والحشيش ،حين تراها تظن أنها كهوف كان يسكنها السابقون وهجروها !،صمت يخيم على القرى فالنهار،حيث يخرج سكانها صباحا إلى الحقول ،ويعودون عند الغروب ! الأب يحمل على كتفه فأس، والأم تحمل على الرأسها الحطب ،والبنت راكبة على حمار محمل بغنينات من الماء ،والإبن يتبع شويهات إلى الحظيرة ،..
السكان في هذا المثلث ليس لديهم سوى تلك الأرض التي ورثوها  أب عن جد، يصارعونها بآلات لعلهم يجنون منها حصاد يعتمدون عليه لعدة أشهر، هذا إذا ما تقاسم معهم الإقطاعين الحصاد زعما منهم أنها أرضهم ..
يمكن لزائر هذا المثلث أن يرى من فوق الطريق المعبد بيوت لا يتجاوز علوها أمتار تتخللها نوافذ صغيرة تسمح بتسرب إضاعة الشمس إلى الداخل ،يسكنها أناس يصارعون أمعاهم الخاوية بأجساد أنهكها الحر والبرد ،وبجاور تلك البيوت أكواخ يتجمع حولها رؤوس معدودة من الأغنام والضعن ....
من الداخل المنازل يدرك الزائر ،أن السكان هناك مازالو يعتمدون على ضروريات الأشياء، أفرشة تقليدية متواضعة منزوزة بالجريد وخيوط من الخلود ،وأواني بسيطة يستعينون بها في الحاجات اليومية ،...
الغذاء هو كتالي :في النهار الأرز والسمك في أحسن الأحوالهم ،وفي الحالة الطبيعية ، العيش الصالح ،وهو وجبة تطلق دقيق القمح المقلي بالماء والملخ، أو عيش يالي ،وهو وجبة تطلق على حب الظرة الصفراء المقلية في الماء والملح ، أو مارو وادلكان ،أو أمبلاخ ،أو كوران،...هذا الغداء.
أما العشاء ،فهو كسكس ولبن في أحسن الأحوالهم ،وفي الحال الطبيعي ،كسكس وهاكوا ،أو كسكس الحافي ،وكسكس يطلقها أهل الشرق على باسي ،وليس الكسكس الغليظ ،وكسكس الحافي؟ تطلق على قليل من باسي +الماء+حفنة من السكر ،ويبدأ الأكل!!!!
أما اللحم فلا يأكلونه إلا فالمناسبات الكبيرة كالأعياد أو قدوم ضيوف كبار ،أو إستثناعات..!!هكذا يعيش ؤلائك المواطنين في تلك المنطقة...
إن الزائر لهذه المثلث سيرى أباء يظلون يكدحون يوميا ويعودون في المساء مستترين بالظلام وجيوبهم خاوية!!!
وأطفال أصبحوا مثل الكبار أحساسا بالإهمال فأختفت من وجوههم الإبتسامة الجميلة وسادها الإكتئاب والخوف من المصير المجهول ،وسرقت براءة الأطفال من أعينهم ويحلمون بمستقبل يحمبهم من البيئة المحيطة بهم..
نساء كالرجال من حيث الشكل ،حيث خشونة اليدين ،وتشقق القدمين من  كثرة العمل والهم والتعب!!!
أما الشيوخ فبلغوا من الكبر عتيا ،ما إن تدخل على أحدهم حتى تأخذ التنهيدات طريقها إلى صدرك من كثرة المشاكل والهموم التي أخذت الأفواه تنطق بها عن مخلفات العمر وهجر الأحبة...
في السير في غالبية المناطق من هذا المثلث يشعر الزئر في أعماقه بالتعاطف مع هؤلاء السكان الذين عاشوا منسين.وتعايشوا مع هذا الفقر بقناعات ذاتية وبتسير للقضاء والقدر ،وإنما برجاء إلاهي في تغير هذا الواقع البئيس في المستقبل.،هكذا يعبر السكان في هذا المثلث بلهجة هادئة وهمسة ونظرة  يفهمها حتى من لا عقل له ،
أنهم سكان مثلث الفقر ،حيث إستقرت غالبيتهم هناك منذ ما قبل الدولة ،وسكنوا تلك المناطق وزعوا أرضها حتى مجيئ الدولة، ففرحوا أن يظفروا بالحد الأدنى مما كانوا يأملون من الحكومة (،التعليم، الصحة ،الماء الصالح للشرب .. )،لكن تلاشت أحلامهم ،وتحطمت أمالهم على صخرة التهميش والإقصاء والنسيان ،وتوالت السنوات وتعاقبت الحكومات ،لكن ظل حالهم يراوح مكانه بل أحايانا يزداد سوءا ،وما يعانون منه على مسمع وعلى عين الحكومة لكنها لا تهتم،...
إلا أنهم متمسكين بالأمل ويظلون يكدحون يوميا لينتزعوا من سنوات الضائعة في الفقر والبرد والحر شيئا مفيدا على الأقل في السنوات المقبلة...
فمعيشة سكان هذا المثلث تعتمد على ما تبقى من قطعان الماشية وهو قليل جدا بسبب الجفاف الذي رأته المنطقة في السنوات الأخير ،بسبب قلة الأمطار ،والزراعة المطرية التي شهدت هي الأخر تراجعا كبيرا لنفس السبب (قلة الأمطا) أو ما تجود به أيادي أبناؤهم الذي هاجروا إلى عواصم الدول ليعينوا أهلهم...ونظرا لمحدودية مصادر العيش ،فإن الفقر وسوء التغذية ينتشر بين السكان بشكل واسع ،ويعززه غياب الدلة عن تقديم العون.
إنهم رجال ونساء وشيوخ أرهقتهم الحياة وألفهم الفقر وألفوه ،فما خارت عزائمهم وما كلت سواعدهم ،بل كانوا صابرين صامدين.