قرأتُ رسالة لبيرام ولد الداه ولد اعبيدى فى موقعكم الموقر، يُشيد فيها بمحرقة الكُتب ويؤكد تمسُّكه بصواب هذا التصرف الأرعن الاستفزازي، كما يصف "البيظان" بالقسوة، ويربط تاء "الطبقات"، حيثُ كتبها حرفيًا "طبقاة"، وأشياء أُّخرى.
ومن الجدير بالذكر، أنَّ هذه السطور كتبها في ذكرى المحرقة 27 إبريل 2012، حيثُ كتب هذا المقال في باريس بتاريخ 27 إبريل 2018.
يا بيرام اتقِ الله في نفسكَ ودينِكَ، فهذا الأسلوب الهجومي، مكشوف وغبر لائق إطلاقًا.
ولعلمكَ الكثيرون يُردِّدون، إنَّكَ مُجرَّد مُتاجِر بقضية "لحراطين"، إن صحَّ هذا الإطلاق.
وتقبِضُ لتستفيد شخصيًا بالدرجة الأولى، ولا تُريد لهذا اللغط أن يُتجاوَز أو يُنسى للحظة، لربحيتِه الشخصية لصالِحِكَ، ماديًا وإعلامِيًا وسياسيًا، على رأي البعض.
وللتذكير أيضًا، عزمُكَ وبعضُ المتهوِّرين على جزء من التراث الإسلامي والمكتبة الإسلامية، وحرقِه أمام الرأي العام، تصرُّفٌ أحمق مرفوض البتة.
فهذه الكتب، مهما كان الخلاف حول مُحتواها، فهي جزءٌ من الفقه الإسلامي والتراث الإسلامي، وهي كُتُبٌ كُتِبَتْ بالحرف العربي المُقَدَّس، وحَمَلَتْ في طيَّاتِها مِرارًا وتكرارًا، اسم الرحمان ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من المُقدَّساتِ عندنا، معشر المُسلِمين في كل مكان.
فما كان لكَ أن تتجرَّأ على حرق هذه الكُتُب بهذا المُحتوى والمستوى.
فمسألة العبودية كانت في وقت سابق، وكانت محل نظر وفتوى الفُقهاء من مُختلف الحِقب، رغم حِرص الإسلام البيِّن الظاهِر على التخلُّص من هذه الظاهرة، التي وجدها أمامه، وشجَّع التخلُّص منها، بأساليب حكيمة، من خلال تشجيع العِتق مثلاً.
أما حِرصُكً على المَساس من الإسلام وحُرُماتِه وخواطر المسلمين، من خلال حرق الكُتب يومها، فقد كان بيِّنًا ومُؤذيًا، للأسف البالغ.
وأما تأكيدُكَ وتجديدُكَ الاعتزاز بهذا التصرف السيئ المسيء، فما ذلك إلا بسبب ضعف العقل ونقص الحكمة، للأسف.
فهلا تُبتَ وراجعتَ نفسكَ عن هذا المسار المُتهوِّر، الانتكاسة.
وقولك قسوة "البيظان"، إن صحَّ هذا التمييز، لأنَّ "الحراطين" في نظري "أبيظن" ممن تصفُهُم "البيظان".
أٌقول، هذه القسوة غير صحيحة، ف "البيظان" لو كانوا قُساةً، لما تركوكَ تجرحُهُم وتتهجَّمُ عليهم،بكل قسوة ووحشية، وباستمرار.
بل أنت القاسي المُتسلِّط على تُراث الأمة وحُرُماتِها، المُتاجِر بمُعاناة بعض الموريتانيين، بحجَّة التماثل العرقي، وهو ليس أساس المُناصرة الأمثل، وإنما أساسُها الأول الانتماء العقدي الإسلامي الواحد.
ف "الحراطين" إن كانت لديهم مُعاناة فعلية، فمجالُ حلحلتِها ينبغي ألا يكون عُنصرِيًا مُميِّزًا، وإنما هم جزء من هذا المجتمع المسلم، المتواد المُتراحم، ولْيَعمل على سبر أغوار مُعضِلاتِه، بعيدًا عن الخطاب العُنصري التحريضي المُمزق.
يا بيرام، لقد احتقرتَنا واحتقرتَ تُراثَنا، أما الاسترقاق وآثاره، فيُمكِنُ التعرُّضُ له، دون الوصول إلى هذا الأسلوب الصدامي التهجُّمي الاستفزازي، ولا شكَّ أنَّ عاقبة مثل هذا التوجُّه وخيمة دنيًا وآخرة.
فلْتُبادِر للتوبة والاستغفار قبل أن تحِلَّ ساعة الندم، ولات حين مناص.
إنَّ موريتانيا ليست جنوب إفريقيا، وأنظمتُها مهما جانبت الصواب في بعض المجالات، ليست نظام "لابارتايد"، الآفل المُتلاشي، وإنما يُلاحَظُ تقدُّمُ كثيرين ممن تُسمِّيهم "الحراطين"، في صمت وهدوء ووقار، ولعلهم يشكون من تعريضِهِم للمواجهة والتدابر مع إخوانهم، من مُختلف الأعراق والشرائح، إن صحَّ هذا التقسيم، المحدود النِسبي، وإن وُجِد فعليًا.