الفائز الأكبر في انتخابات البلدان العربية

أربعاء, 2018-05-09 09:22
جلبير الأشقر

لا أسوأ من ابتهاج أوساط «حزب الله» اللبناني بالانتصار «الكبير» الذي حققه «خيار المقاومة» في الانتخابات النيابية التي جرت يوم الأحد الماضي في لبنان سوى افتخار «حركة النهضة» التونسية بحصولها على عدد من الأصوات فاق ما حصل عليه منافسها الأول، حزب «نداء تونس»، في الانتخابات البلدية التي جرت في اليوم نفسه. فإن الأغلبية التي حققها «حزب الله» وحلفاؤه من أتباع دمشق في المجلس النيابي اللبناني لا تعدو كونها أغلبية من أصل أقلية، حيث أن نسبة المقترعين كانت أقل من نصف الناخبين المسجَّلين (49.2 بالمئة)، ناهيكم بالعدد الكبير من المواطنات والمواطنين غير المسجَّلين. أما الفوز الذي حققته «حركة النهضة»، فهو على خلفية مشاركة انتخابية كادت لا تتعدّى ثلث المسجَّلين (33.7 بالمئة)!
والحقيقة الفاقعة أن الفائز الأكبر في انتخابات البلدين، وقبلها انتخابات مصر الرئاسية الصورية، إنما هو حزب المقاطعة والامتناع، حزب اللواتي والذين لا يرون جدوى من تكلّف العناء والوقت للمشاركة في انتخابات يعلمون علم اليقين أنها لن تغيّر شيئاً في سوء أحوال بلادهم، إذ أنها سوف تثبّت من جديد في واجهة المشهد السياسي الأطراف ذاتها التي تهيمن عليه والتي تتحمّل مسؤولية رداءة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعانون منها. أما سبب تلك القناعة بأن لا جدوى من المشاركة، فيكمن في طبيعة الآلية السياسية المتوفّرة، سواء تعلّق الأمر بانعدام الديمقراطية كما في مصر، أو بغياب إمكانية التغيير النوعي في نظر الجماهير العريضة مثلما هي الحال في لبنان وتونس.
فإذا صحّ أن البلدين الأخيرين يتميّزان بهامش حقيقي من الحرية والديمقراطية قياساً بمحيط عربي يُرثى له، يبقى أن الانتخابات فيهما تقوم على استخدام إمكانيات مالية وتنظيمية كبيرة لا تمتلكها سوى الأجهزة الحزبية المهيمنة التي تستقيها من سيطرتها على مقاليد الدولة أو من تمويل خارجي أو من الإثنين معاً، بحيث تسدّ الطريق أمام بزوغ بدائل نوعية. فيسود غالبية الناخبين المحتملين شعورٌ بأن الانتخابات لن تغيّر شيئاً في أوضاعهم، ولا يتعدّى التنافس فيها صراعاً على تقاسم كعكة السلطة بين فرقاء مزمنين. 
فإن كانت الحال أن لا ناقة لهم في الانتخابات ولا جمل، لا ينتفعون من أحد الأحزاب القائمة بأي صورة من الصور ولا يؤمنون بإمكانية خرق حقيقي لجدار القوة والمال اللذين تحوز عليهما الأطراف السائدة، يستنكفون عن التصويت، وهم أغلبية الناس في منطقتنا. وقد عبّر عن رأيهم هذا العراقي الذي صرّح لوكالة «أسوشيتد برس» في بغداد (في خبر نُشر يوم أمس)، وبلاده تقف بدورها على عتبة انتخابات نيابية، قائلاً: «أقسم بالله، لن يتغيّر شيء. أقول لك، إنها عملية إعادة تدوير للقمامة… إنها الأحزاب ذاتها التي دمّرت العراق».
أما خير إثبات لما ندّعي عن المشاركة الانتخابية، فهو في المقارنة بين الذروات التي بلغتها في كل من تونس ومصر إثر ربيعهما الذي أفضى إلى انهيار نظامي بن علي ومبارك، وقد اعتقد الناس آنذاك أن أمامهم خياراً حقيقياً وطريقاً إلى تغيير نوعي، والحضيض الذي انحدرت إليه تلك المشاركة بعد أن جرّب الناس الأحزاب الدينية التي نصّبت نفسها بديلاً عن النظام القديم، مستفيدة من تمويل خارجي كما من لعبها على وتر الإيمان، فوجدوا أنها لا تختلف نوعياً وهي عرضة للتسلّط والفساد أسوة بمنافسيها. فلا يكفي أن تكون الانتخابات «حرة ونزيهة»، مثلما يُزعم أنها في لبنان وتونس خلافاً لما هي عليه في مصر، إن كانت شروط التنافس فيها أبعد ما تكون عن العدالة والمساواة.
أما الانتخابات الحرة والنزيهة حقاً، فهي التي يفرض فيها القانون سقفاً على مصاريف الحملات الانتخابية لا يجوز أن تتعدّاه، والتي يحرّم فيها القانون أي تمويل أجنبي لأي قوة سياسية كانت (أيننا من بلد كفرنسا يلاحق القضاء فيه رئيساً سابقاً، هو نيكولا ساركوزي، بتهمة تلقّيه تمويلاً سرّياً لحملته الرئاسية من ليبيا معمّر القذّافي!). وأما الحدّ الأدنى من العدالة والمساواة، فهو الذي يوفّره تمويل الدولة للحملات الانتخابية (في فرنسا، على سبيل المثال، يحصل المرشّحون على تمويل بنسبة ما حصلوا عليه من الأصوات). وكلّها شروط محقّقة في معظم البلدان الغربية، باستثناء الولايات المتحدة إمبراطورية المال حيث لا تمويل حكومي للحملات الانتخابية، كما في بعض بلدان أمريكا الجنوبية.
فطالما لم تكتمل شروط الديمقراطية تلك، لن يكون من سبيل أمام شعوبنا، إن أرادت الحياة وأرادت تغيير «النظام» تغييراً حقيقياً، سوى سبيل الثورة وإحياء «الربيع العربي»، على أن تكون لديها في المرّة القادمة قيادات سياسية تعبّر حقاً عن مصالحها وطموحاتها، بحيث لا تقع مرّة أخرى بين فكّي كمّاشة متساوييْن في ابتعادهما عن تلك المصالح والطموحات. عندها فقط يتحوّل الفائز الأكبر في الانتخابات العربية من فائز سلبي إلى فائز حقيقي.

نقلا عن القد س العربي