منذ اكثر من عام والرئيس التركي رجب طيب اردوغان يطالب رئيس البنك المركزي التركي بتخفيض اسعار الفائدة .
اردوغان كان يعتقد بان خفض اسعار الفائدة سيحرك الاقتصاد ويطلق النشاط في الاسواق ويؤدي الى زيادة فرص العملوالقضاء على التضخم وو...
رئيس البنك المركزي التركي والضالعين في شؤون الاقتصاد بما فيهم بعض وزراء اردوغان حاولوا اقناعه بان خفض الفائدة سيؤدي الى نتائج عكسية ولكن هيهات فالرئيس داهية وهو عالمفي كل امور الدنيا من العطور ومساحيق التجميل الى الطب وعلوم استكشاف الفضاء .
استمر اردوغان في تقريع وتوبيخ رئيس البنك المركزي في كل مناسبة لعدم الرضوخ الى اوامره في تخفيض الفائدة مما ادى الى البلبلة والفوضى في اسواق المال والاعمال .
الاستثمارات الاجنبية حينها غادرت البلاد و بدأت الليرة التركية مسيرة الانخفاض في قيمتها امام جميع العملات الاجنبية وخاصة الدولار واليورو وارتفعت نسبة التضخم .
في هذه الاوضاع الاقتصادية المعقدة ترفع البنوك المركزية عادةاسعار الفائدة للحفاظ على استقرار الاسواق وعدم هجرة رؤوس الاموال بينما اردوغان يريد العكس تماما .
ولكن رئيس البنك المركزي وخوفا من بطش اردوغان لم يتجرأ اتخاذ قرار برفع اسعار الفائدة والذي يناقض تماما ما كان يريده اردوغان .
عندها بدأ الاقتصاد التركي الهبوط في طريق الانهيار الاقتصديووصل الى المستوى الحالي الذي نشاهده اليوم .
حاول الكثيرون اقناع اردوغان بأن مهمة رؤوساء البنوك المركزية لا تختلف كثيرا عن مهمة المسؤولين عن نشرات الاحوال الجوية من حيث المبدأ .
الذي يقوم باعداد نشرة الاحوال الجوية يجمع اولا المعلومات الموجودة اصلا من غيوم ورياح ورطوبة وغيرها ثم يقدم توقعاته عن حالة الطقس بناء على تلك المعطيات .
كذلك الامر بالنسبة لرئيس البنك المركزي الذي يجمع المعلوما ت والوقائع في مجال الاقتصاد في البلاد من التضخم والعجز في ميزان المدفوعات واحتياطي العملات الاجنبية وحركة رؤوس الاموال ومستوى الاستثمارات الاجنبية وبناء على تلك المعطيات وغيرها يقوم بتحديد اسعار الفائدة .
لذلك فان رئيس البنك المركزي لا يستطيع التأثير على اي شيء بل يتخذ قراراسعار الفائدة بناء على المعطيات الموجوة اصلا على ارض الواقع .
عند اصرار اردوغان على خفض اسعار الفائدة وتدخله السافرعلنا في شؤون البنك المركزي فقد عالم المال والاقتصاد الثقة باردوغان وحكومته وبدأت مرحلة الشلل في الاقتصاد وهبوط قيمة الليرة التركية .
نظرية اردوغان في خفض اسعار الفائدة صحيحة عندما يتم تطبيقها على دكاكين البقالة والصناعات اليدوية وتربية الماشيةوغيرها حيث يتم اعطاء القروض باسعار فائدة منخفضة ويدب النشاط في ذلك الحيز بينما نظرته تلك تؤدي الى الانهيار الشامل للدولة عندما يتعلق الامر بأسواق المال والاعمال العملاقةوالاقتصاد العالمي .
قيمة الليرة التركية انخفضت تدريجيا منذ مايقرب من ثلاثة سنوات عندما كان الدولاريساوي اقل من ليرتين بينما الدولار وصل اليوم الى حدود خمسة ليرات تركية وهي نسبة تصل الى 20 بالمئة .
العجز في الحساب الجاري في تركيا هو 200 مليار دولارتحتاجها الدولة دون تأخير .
ذهب اردوغان الى بعض زعماء الدول الافريقية الذين يملكون المليارات التي سرقوها من اموال وقوت شعوبهم طالبا منهم قروضا بفوائد كبيرة ولكنه لم يحصل على مايريد .
الدعم القطري السخي لم ينقذ اردوغان .
اردوغان حط الرحال في كوريا الجنوبية للحصول على قروض مالية هناك . حاول اردوغان دغدغة عواطف الكوريين الجنوبيين بتذكيرهم بالجنود الاتراك الذين قتلوا هناك في الحرب الاهلية الكورية ضد الشيوعية في بداية خمسينات القرن الماضي ضمن قوات الناتو عندما زار مقبرة الجنود الاتراك هناك ولكن لا احد يقرض الاموال للمفلسين
اتجه اردوغان قبل اسبوعين الى لندن مركز الرأس المال العالمي . دهاقنة الاقتصاد في لندن اشترطوا عليه عدم التدخل في شؤون البنك المركزي كما هي القاعدة المعروفة في جميع الدول التي تطبق قوانين الاقتصاد الحر .
قبل يومين اي في 25 ايار ظهر على الشاشات محمد شيمشك نائب رئيس الوزراء والمسؤول عن الشؤون الاقتصادية في الحكومة منذ استلام حزب العدالة والتنمية كرسي السلطة في البلاد عام 2002 والذي رافق اردوغان الى لندن وصرح علنا بان الحكومة لن تستمر في العناد من الآن فصاعدا وسترضخ الى طلبات رئيس البنك المركزي .
البنك المركزي رفع اسعار الفائدة وهبط سعر الدولار لعدة ساعات ليبدأ في الصعود مرة اخرى .
الاقتصاد التركي يحتضر وتدخلات البنك المركزي لن تجدي نفعا اذ ان الازمة تجاوزت حدود ومجال المال والقروض والفائدة الى فقدان الثقة كاملا باردوغان نفسه وقد حان الوقت ليترك الحكم .
الانهيار بدأ في الواقع عندما بدأ اردوغان بفرض الاحكام العرفية في البلاد منذ سنتين وهو يدخل الانتخابات في ظلها وهو امر مرفوض حسب قواعد الاقتصاد الحر .
عالم المال يطالب الآن تركيا بالاقتراض من صندوق الدولي .
اذا كان احتمال سقوط اردوغان في الانتخابات هو حوالى 60 ال 70 بالمئة اليوم فان هذا الاحتمال يصل الى نسبة 90 بالمئة في حال لجوء اردوغان الى صندوق النقد الدولي .
اردوغان كان يعيد وبكرر على مدى السنوات الماضية بانه يفتخر ويعتز في انقاذ تركيا من براثن اخطبوط ديون صندوق النقد الدولي و تمكنه من دفع كل الديون المترتبة على الدولة .
اردوغان كان يشمت ويستهزئ بكل الحكومات والسياسين الاتراك الذين حكموا البلاد قبله ووضعوا البلاد تحت هيمنة ورحمة صندوق النقد الذي كان يفرض سياسات اقتصادية جائرة على الحكومات بما فيه تحديد سعر الرغيف .
هاهو اردوغان بذاته يتضرع الى نفس الصندوق لانقاذه من الورطة الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي باتت تهدد امن ووحدة تركيا .
عند الانتهاء من كتابة المقال كان سعر الدولار هو 4.7 ليرة تركية اي تقريبا خمسة ليرات ولم تؤدي كل الجهود الاستثنائية التي بذلها البنك المركزي بما فيه رفع اسعار الفائدة وضخ المليارات من الدولار الى السوق المالية .
القضية هو ان العالم الغربي والاقتصاد العالمي الحر فقد الثقة باردوغان وسياساته واهدافه كليا .
الصديق الوحيد حاليا لاردوغان هو فلاديمير بوتين .........وهو مفلس ايضا.
نقلا عن إيلاف