تعود طلائع الوراد مع تباشير الفجر الأولى بعد أن باتوا ليلتهم يعالجون المياه العكرة التي تجود بها محافر واد يقع على مشارف "بوغول " إحدى أكبر قرى آفطوط التابعة لمقاطعة أمبود بولاية كوركل.
ويعيش جميع سكان هذه المنطقة في حالة استنفار قصوى هذه الأيام بحثا عن الماء الشروب في مهام لا تعفي أحدا من سكان القرية بما في ذلك النساء والأطفال وحتى المسنين.
سباق مع العطش
في قافلة للوراد تتربع الطفلة نبغوها بنت ودادي ذات العشرة أعوام بين برميلين كانا في الأصل أوعية للزيوت وقد ربطا بإحكام على ظهر حمار يغذو السير في قافلة للبحث عن الماء الشروب في مستقر الوديان القريبة من القرية.
إنها محافر سطحية ينزحها السكان ثم سرعان ما يتركوها إلى محفر آخر عندما ينضب ماؤها فهم في سباق مع الزمن قبل حلول موسم الأمطار وطمر تلك المحافر بمياه السيول.
ورغم اللون الغامق العكر بفعل شوائب الطين والطعم المميز للمياه إلا أنها تبقى أقل خطورة من المياه المالحة لبئر القرية والمعطل منذ زمن بعيد كما يقول عبد الله ولد احميده أحد المقيمين في القرية.
أزمة العطش تلقي بظلالها هذه الأيام على مختلف جوانب الحياة في آفطوط ويظل مطلب توفير الماء الشروب حاضرا لدى السكان في العديد من القرى والتجمعات على طريق من أمبود إلى بوغول كما يشرح راعي الأبقار دمب القاطن قرب قرية ول بوكرون.
على شفا الكارثة
ويشرح مواطن آخر من بوغول كيف أن السكان يعانون كل صيف من أزمات عطش لا ترحم بسبب شح المياه رغم الوعود المقدمة بحل هذا المشكل حسب تعبير المدعو ودادي ولد خطري.
ويضيف ولد خطري في تصريح لموقع الصحراء أن الوضع هذا العام أكثر مأساوية بسبب ظروف الجفاف الذي يضرب المنطقة، مما اضطر الكثيرين إلى النزوح من القرى التي أصبحت مهجورة حسب وصفه.
ويرابط العشرات ومن مختلف الأعمار قرب محافر المياه تلك يمنون أنفسهم بجرعة مياه نقية فيما ينتظرهم من خلفوا وراءهم على أحر من الجمر.
ومع ذلك فتلك المحافر الضحلة ليست نقاط جذب للناس فحسب بل الحيوانات والأنعام حيث تظل أمل الحياة المتبقي أمام الجميع.
مخاطر صحية
يضيف ودادي ولد خطري قائلا إن شرب المياه المالحة رفع من حالات الإصابة بالضغط والعجز الكلوي بين السكان لذا هجروا البئر التي تقع على مشارف القرية وأصبحت محافر الوديان المصدر الأوحد للمياه في بوغول والقرى المجاورة لها كأمبيزير والبطحة ويكط وطي.
ويؤكد الطبيب الرئيس بالنقطة الصحية ببغول سيدي ولد أحمد هذا المنحى مشددا على ضرورة حل مشكل العطش قبل فوات الأوان حسب تقديره.
ويضيف أنه سبق وأن وجه تحذيرات للموطنين هناك من شرب مياه البئر لملوحتها لكن لا خيار أمام الكثيرين فالماء هو عصب الحياة وملاك الأمر كما يقال.
ويعدد الطبيب ولد أحمد بعض المضار الناجمة عن الماء المنزوح من المحافر كالإصابة بالإسهال والدزنتيريا الاميبية وحتى الضغط والعجز الكلوي..
ومع انعدام أي آبار أو مضخات ارتوازية في هذا الجزء من مثلث الفقر لا خيار أمام السكان غير شرب الماء الملوث المنتشر بمحافر نزح المياه في منخفضات الوديان ومجاري السيول.
مأساة تتجدد
في قرى البطحة ولمبيزير ومد الله وأهل عبد الله تكرر المأساة وتأخذ بعدا آخر عندما يهجر السكان آبارهم التقليدية خلال موسم الأمطار قبل أن يضطروا لشرب مائها من جديد وبعدما تصبح أكثر تلوثا وضحالة.
يقول أحمد عالي من قرية البطحة إن العطش مشكل يتهدد حياة الناس كل صيف حيث لا يكون المتاح غير مياه الحفر في مجاري الوديان مضيفا أن البئر الذي تشرب منه القرية يعود إلى 2013 بعد تدخل فاعل خير بإحدى الهيئات الخيرية.
مساع خجولة
معاناة العطش في بوغول استنفرت جهود إحدى المبادرات الخيرية تعمل هذه الأيام على إنهاء إجراءات الترخيص لحفر بئر بالقرية لكن جهودها اصطدمت بعقبة الروتين الإداري وتعقد الإجراءات كما يقول منسق المبادرة إبراهيم ولد عبد الجليل.
وفي ظل تأخر جهود التدخل، وتخلف وعود المساعدة لم يعد أمام السكان من خيار سوى نزح محافر الوديان الضحلة للإبقاء على حياتهم.