ماذا يجري في واشنطن؟

ثلاثاء, 2018-05-29 09:57
سيد حسين موسويان

بعد استقالة كل من ركس تيلرسون وزير الخارجية السابق وهربرت مك مستر مستشار الامن القومي السابق، بذل الجنرال جيمس متيس وزير الدفاع الامريكي جهودا كبيرة ليكسب مايك بومبيو وزير الخارجية الحالي الى جانبه بشأن ضرورة الحفاظ على الإتفاق النووي، ليحول دون تشكيل محور بين بولتون وبومبيو في البيت الابيض وتشديد مسار المواجهة مع ايران، لكنه فشل.

الجنرال الامريكي المخضرم الذي يناهض سياسات ايران الاقليمية، يخالف في ذات الوقت الانسحاب من الإتفاق النووي والحرب مع ايران، كما انه لا يخالف اتصال امريكا مع ايران واجراء مباحثات معها بشأن المنطقة، وعليه فان بولتون الذي يرأس مجلس الأمن القومي وبومبيو رئيس الجهاز الدبلوماسي افلحا حتى الان في فرض العزلة على وزير الدفاع، لتمهيد المسار امام سياساتهما المتشددة ضد ايران. وقد باتت اللوبيات المناهضة لايران بزعامة تل ابيب والسعودية والامارات في واشنطن مهيمنة الى درجة اصابت الخبراء الامريكيين ايضاً بالحيرة. 

مارك دوبفويتز الصهيوني المتشدد ومدير معهد الدفاع عن الديمقراطية يتزعم اللوبي المعادي لايران في واشنطن وهو يتقاضى راتبا بنحو 600 الف دولار سنويا، في حين يبلغ راتب الرئيس الامريكي 400 الف دولار في السنة، وعندما كان الكونغرس الامريكي يدرس الإتفاق النووي شارك المشار اليه وطوال 18 شهراً في 17 جلسة استماع للكونغرس. 

كما ان كبار الرأسماليين الصهاينة في اميركا مثل شلدون ادلسون وبول سينغر وبرنارد ماركوس يتحركون بدورهم ولتأمين عشرات الملايين من الدولارات من نفقات الإجراءات المناهضة لايران. 

العربية السعودية من جانبها عقدت إتفاقيات مع 24 شركة متخصصة في تشكيل اللوبيات في واشنطن وتصرف سنويا عشرات الملايين من الدولارات على الاعلام ضد ايران. 

وفي حالة واحدة دفعت الرياض ستة ملايين دولار لشركة لوبيات تدعى مجموعة (ام. اس. ال.جي) لإعداد تقرير دعائي من خمس صفحات عن تدخل ايران في اليمن، وتقرير آخر يزعم ان ايران اكبر دولة داعمة للارهاب. كما ان الامارات ايضاً انفقت وتنفق أكثر من السعودية في هذا الخصوص في واشنطن. 

وفي احدى المرات دعا بن سلمان شخصيا ابرز الصحفيين الامريكان الى الرياض، وقدم لهم علاوة على اقامة ضيافات ملكية لهم، تذاكر طيران من الدرجة الأولى، واسكنهم في فنادق سبعة نجوم، وصرف ساعات من الوقت مع كل واحد منهم ليوجههم ضد ايران. 

وبالامكان مقارنة ذلك مع ايران التي ترفض استقبال الصحفيين الامريكيين البارزين حتى على نفقاتهم لإجراء مقابلات من مسؤولين من الدرجة الثالثة والرابعة.

* المحور المعادي لايران يضع بالإعتبار فترتين زمنيتين:

الاولى، انتخابات الكونغرس الاميركي في خريف هذا العام، والثانية انتخابات رئاسة الجمهورية في خريف 2020، وهم يسعون الى الحصول على الفائدة القصوى من الفوضى في الظروف الداخلية في واشنطن الى قبل انتخابات الكونغرس، لتحقيق اهدافهم المناهضة لايران، فهم يرون احتمال ان يفوز الديمقراطيون في الانتخابات، مما قد يحول دون تشددهم ضد ايران، وفترتهم الزمنية الثانية هي الانتخابات الرئاسية القادمة لترامب، اذ يعتبرون عهد ترامب فرصة ذهبية لهم لتحقيق اهدافهم، ولهذا تواصل فرق العمل المشتركة بين اميركا والسعودية والامارات و(اسرائيل) عقد جلساتها باستمرار لدفع خطواتها المعادية لايران قدما في مختلف القطاعات السياسية والأمنية والاقتصادية والرأي العام. 

المحاور الاستراتيجية الجديدة للمربع المعادي لايران والتي بدأت منذ عدة أشهر هي كالآتي: 

1 – القضاء على الإتفاق النووي

2 – فرض مجموعة كبيرة من العقوبات الجديدة

3 – الاعلان رسميا عن استراتيجية عامة ضد ايران، والتي أعلنها من قبل بومبيو في 12 بندا بافتراض ان ايران لن تقبل أيا منها وهي مرفوضة بالطبع. 

4 – دخول واشنطن في مشاورات مكثفة مع حلفائها الاوروبيين وسائر الدول التي لها علاقات تجارية نشطة مع ايران، بهدف خفض تصدير النفط الايراني الى اقل من مليون برميل، وإلغاء الإتفاقيات الصناعية والاقتصادية المهمة، وتجميد العلاقات المصرفية والمالية الايرانية. 

5 – توتير الاوضاع الداخلية الايرانية عبر اثارة اضطرابات قومية واحتجاجات شعبية.

6 – تشديد الخلافات السياسية بين الاجنحة السياسية وكبار المسؤولين والسلطات الثلاث.

7 – إثارة صدامات ومواجهات ملفقة في المنطقة بهدف تمهيد الارضية لشن هجوم عسكري محدود على ايران و...

لقد اخبرني مصدر مطلع ان المحور العربي المناهض لايران تعهد لواشنطن بمبلغ 83 مليار دولار كميزانية سنوية لتنفيذ هذه الخطة، وفي كل الاحوال فان الاستراتيجية الجديدة لهذا الرباعي هي شل الاقتصاد الايراني واثارة التوتر والاضطرابات وضرب الإستقرار داخل ايران ومكافحة الحضور والنفوذ الايراني بالمنطقة. 

المواجهة الإقليمية في سوريا تأتي في أولوية خطتهم الاقليمية التي يجري متابعتها وفق ثلاثة برامج: 

الاول؛ ضرب التحالف الروسي – الايراني - حزب الله، والثاني؛ قطع التعاون الثلاثي بين تركيا وايران وروسيا، والثالث، التمهيد لمواجهة عسكرية اميركية مع ايران في سوريا. وقد سبق لي ان وجهت في مقابلة مع شبكة (B.B.C) التحذير من ان هدف (اسرائيل) هو إيجاد مواجهة عسكرية مع ايران في سوريا لتجر بذلك اميركا الى المواجهة العسكرية مع ايران في سوريا، كما انهم عازمون على وقف عملية النجاحات التي تحققها الحكومة السورية في محاربة المجموعات الارهابية.

الرياض كانت قد طمأنت الاميركيين في إتصالات خاصة، بان المشهد في اليمن سيتغير قريباً لصالح التحالف السعودي، ويرى السعوديون انه لم تبق فترة طويلة على حصول هذا التطور، وعليه ليست هناك من ضرورة لإشراك ايران في عملية مفاوضات السلام اليمنية. ولذا لا ينبغي لواشنطن ان تهتم بمفاوضات ايران واوروبا بشأن اليمن.

ان مثلث تل ابيب – الرياض – ابوظبي يقول للبيت الابيض باستمرار ان رغبته لا تقوم على دخول اميركا في حرب مماثلة لحرب العراق مع ايران، بل يكفي قيامها بعملية عسكرية محدودة حتى تلملم ايران بساطها في المنطقة.

ان هدفهم الخفي بالطبع هو ان يبدأ الامر بعملية عسكرية محدودة كي يضعوا اميركا وايران في مواجهة عسكرية شاملة.

ولا ينبغي ان يساورنا أدنى شك بان رباعي واشنطن – تل ابيت – الرياض – ابوظبي يتحرك بشكل أكثر جدية من أي وقت مضى لتمرير سياسة (تغيير النظام) في ايران وقد ادرج خططا عملية واسعة في جدول اعماله، وهدفهم النهائي هو خلق الاضطرابات والفوضى في ايران وبالتالي تجزئتها.

وللتصدي لمثل هذا التهديد الخطير فان ايران بحاجة قبل أي شيء الى أوضاع داخلية منسجمة وموحدة، اذ ان إثارة أية شروخ داخلية في هذه المرحلة الزمنية، هي سُم قاتل، فالاستنتاج الذي تحمله فرق العمل المشتركة الاربعة في واشنطن يقوم على ان الاوضاع الداخلية الايرانية هشة الى درجة أن بالإمكان جر المواطنين الى الشوارع بواسطة ممارسة ضغوط متعددة الجوانب، واصابة السلطة بالعجز واسقاط الحكم.

الاعجب من كل ذلك، هو ان مثلث الرياض – تل ابيب – ابوظبي طمأن واشنطن بانه يسيطر على الاوضاع الداخلية في ايران. وثانيا، هو ان ايران لا تملك دبلوماسية عامة تتكيف مع الظروف الراهنة، وانها تفتقد الى الحد الادنى من اللوبي في اميركا واوروبا وسائر الدول المهمة. في حين تشكل الجالية الايرانية في خارج البلاد أهم رأسمال بالنسبة لايران لمواجهة الوضع القائم لدى الرأي العام العالمي، لقد أعلن في الايام الماضية عن قرار الكونغرس اميركي بمعارضة شن هجوم اميركي عسكري على ايران، لكن الشيء الذي قد لا يعلمه الكثيرون، هو ان فريقا من الايرانيين المقيمين في اميركا الذين تربطهم ارتباطات طيبة مع احد نواب الكونغرس، ويرصدون عن كثب تحركات اللوبي المناهض لايران وهم يحملون هاجس هجوم اميركا العسكري على ايران، بذلوا مساعي جديرة بالاشادة كي ينقل هذا النائب مسودة القرار المذكور الى اللجنة المعنية ليفلح بعد اقرارها فيها بالحصول على اجماع مجلس النواب عليها. 

ثالثا هي ضرورة تقوية الدبلوماسية الرسمية، فلابد ان تستفيد ايران الاستفادة القصوى من الشرخ الحاصل بين القوى العالمية ورباعي امريكا – (اسرائيل) – السعودية – الامارات بشأن الإتفاق النووي، وتزامنا مع ذلك تعزيز الحوار والتعاون مع دول المنطقة كالعراق وتركيا وعمان وقطر وامثالها لإيجاد درع دبلوماسي مناسب على الصعيدين العالمي والاقليمي. فجهازنا الدبلوماسي يتعرض لأعنف الحملات من قبل هذا الرباعي المناهض لايران. 

وهذا الواقع يكفي لكي تقدم الحكومة والشعب وجميع الاجنحة السياسية في الداخل الدعم لجنود الخط الاول من الجبهة الدبلوماسية للبلاد.