حتى يتخلص الأردن من «الضغوط الهائلة»

أربعاء, 2018-06-13 08:09
محمد كريشــــان

لا يمكن للأردن ألا يكون ممتنّا لحزمة المساعدات التي قدمها له اجتماع مكة الذي جمع قادة السعودية والكويت والإمارات بالعاهل الأردني، ولكنه في الوقت نفسه لا يمكن له ألا يستنتج أن ما حصل عليه من هذا الاجتماع هو أقل من المأمول ومن المتوقع كذلك. 
لقد كان لافتا قول رئيس الوزراء الأردني المكلف عمر الرزاز بعد هذا الاجتماع إن بلاده تتعرض لــ»ضغوط هائلة» من أجل إعادة النظر في مواقفها من قضايا عربية ودولية لم يخض في تفاصيلها، مشيرا إلى ضرورة تنويع الخيارات لتجاوز هذه المرحلة الصعبة التي دفعت بالناس إلى موجة تظاهرات ليلية ضخمة. 
لعل أول ما يلفت الانتباه هو هذا الجانب «الفرجوي» في اجتماع مكة، مع أن حجم ما أعلن عنه من مساعدات بقيمة 2،5 مليار دولار كان يمكن أن يعلن عنه دون اجتماع كهذا. لقد بلغ ما حصلت عليه مصر بعد انقلاب السيسي زهاء الــ70 مليار دولار لم ينظم لها ولا اجتماع واحد، وفوق ذلك لم تسهم في تجاوز أزمة البلاد الخانقة التي بات المواطن يئن يوميا تحت وطأتها. كما أن التمعن في تفصيلات الحزمة المقدمة إلى الأردن والوقوف على أنها مقسمة بين وديعة في البنك المركزي وضمانات للبنك الدولي لمصلحة الأردن ودعم سنوي للميزانية مجدْوَل على خمس سنوات يقود إلى الاستنتاج أن هذه «الفزعة المالية» للأردن محسوبة بدقة بحيث لا تجعل الأردن يغرق ولكنها لا تدفع به إلى شاطىء النجاة. لهذا، فإن هذه «الجدولة» للمساعدات، كنقيض لمساعدة مالية مباشرة تعيد العافية لبلد، لا يعاني اقتصاده ما تعانيه مصر ولا يئن تحت خراب مستحكم لسنوات مثلها، تمثل في حد ذاتها استمرارا للضغوط التي أشير إلى أن الأردن يتعرض لها.
صحيح أن الدين الأردني بلغ 35 مليار دولار وأن صندوق النقد الدولي يشترط تخفيض العجز في الميزانية للحصول على قروض، وصحيح كذلك أن الأردن الذي استقبل مئات الآلاف من اللاجئين السوريين بات يعاني بسببهم أعباء مالية فوق أعبائه الأصلية، فضلا عما سببته مشاكل الجوار وإغلاق الحدود معه من تعقيدات، لكن الأردن يظل مع كل ذلك أكثر استعدادا من مصر بكثير للتعافي، ومع ذلك لم يقدم له جيرانه وإخوانه العرب ما يجعل هذا التعافي وشيكا أو حتى قريبا.
لماذا كل هذا؟ الجواب هو أن يبقى الأردن قابلا للابتزاز في المرحلة المقبلة. المطلوب هو تجنب فوضى في هذا البلد خاصة إذا حملت تحركات مواطنيه السلمية بعض مؤشرات وعلامات «الربيع العربي» الذي ترتعب منه بالخصوص دول مثل السعودية والإمارات إلى درجة تنصيب نفسيهما راعيين رسمين لكل ما هو نقيض استعادة المواطن العربي لحقه في التعبير والمشاركة الديمقراطية في تسيير شؤون بلده ككل خلق الله في دول العالم، ولكن المطلوب في الوقت نفسه هو ألا يقف الأردن على رجليه بالكامل. 
الرد الأردني المطلوب في المرحلة المقبلة يستلزم في النهاية عدم نكران جميل هذه الدول الثلاث التي وقفت معه حتى بهذا الشكل الذي ارتأته، وهذا طبيعي وحاصل لا محالة، لكنه يستلزم أيضا سعيا حثيثا منه لكي لا يبقى البلد رهين هذا المربع الذي أريد أن يظل حبيسه. هذا الأمر يستلزم من الحكومة الجديدة صياغة سياسة جديدة تقوم على أقصى ما يمكن من تنويع في شبكة علاقات المملكة حتى لا تصطف مع أي محور أو توظف لخدمة أي أجندة لا علاقة لها بمصلحتها الوطنية العليا، أو حتى مناقضة لها أحيانا، خاصة في موضوع القدس بهدف دفع عمان إلى التماهي أو غض البصر عن تنفيذ «صفقة القرن» التي يسعى لها ترامب مستعينا بالرياض والقاهرة وأبو ظبي.
عمليا كيف يمكن أن يتم ذلك؟ الجواب لا يحتاج إلى تعقيد زائد فمثلما قاوم العاهل الأردني عبد الله الثاني ما يمارس عليه حاليا من ضغوط في موضوع القدس وحتى في موضوع حضور مؤتمرات إسلامية خصصت للتصدي لسياسة ترامب بشأنها، مثل قمة اسطنبول الأولى والثانية، بإمكانه الآن أن يفتح أوسع نطاق ممكن للتعاون مع دول لا تنظر السعودية والإمارات إليها بارتياح. ما الذي يحول في النهاية أن يمد الأردن جسور تعاون اقتصادي وثيق مع تركيا وإيران وقطر حتى وإن امتعضت الرياض وأبو ظبي؟ فإن تساعد هاتان الدولتان الأردن يجب ألا يعني أنهما قيداه تابعا لما يريداه من مخططات معلنة أو مخفية. سياسيا، نجح العاهل الأردني في هذه المعادلة في ما يبقى الجانب الاقتصادي كفيلا بتصليب هذا التوجه وتثبيته. في النهاية هذا ما سيقوي ظهر الأردن ويجعله واقفا بكل ثقة بعيدا عن الابتزاز والتوظيف وأي محاولة متعسفة لرسم أدوار له لا تخدمه… وبالتأكيد لا تشرفه.

نقلا عن القدس العربي