ازدواجية المعايير الأمريكية في التعامل مع القضايا الدولية

أربعاء, 2018-06-13 13:28
 عميرة أيسر

تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من أكثر الدول الاستعمارية الغربية التي تعتمد على إستراتيجية سياسية واقتصادية وحتى عسكرية، تقوم على الاعتماد على ما يسمى بازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الدولية المطروحة للنقاش الدولي، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والبرنامج النووي الإيراني، ففي مقابل الصلف والتعنت الأمريكي واستعمال لغة التهديد والوعيد ضدَّ  كل من يحاول مخالفة وجهة النظر الأمريكية في كيفية تعاطيها مع تلك الملفات والقضايا الدولية، حتى وإن كانوا حلفاء تاريخيين لواشنطن كالاتحاد الأوروبي الذي رفضت الكثير من دوله الخطوة الأمريكية القاضية بنقل السفارة الأمريكية للقدس، أو اعتبارها عاصمة أبدية للصهاينة دون اللجوء إلى المؤسسات الدولية، أو الاتفاقيات السّياسية والدبلوماسية التي تمت صياغتها والاتفاق عليها في إطار دولي جامع، أو الرفض الأوروبي  للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، و الذي جاء على لسان ممثلة السّياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي السيِّدة فريديريكا مورغيني حيث وكما ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية فإنه، وفي خلال الاجتماع الذي جمعها بنظيرها الإيراني السيِّد جواد ظريف أكدت على رفضها للسِّياسة الأمريكية اتجاه الملف النووي الإيراني، وعزم الاتحاد الأوروبي على التمسك بالاتفاق النووي الذي أبرم في عهد الرئيس الديمقراطي باراك اوباما، وبرعاية دولية والذي نسحب منه ترامب مؤخراً، حتى وإن أدى ذلك إلى الصدام  المباشر مع البيت الأبيض، بالرغم من العقوبات الاقتصادية التي أقرتها واشنطن والقاضية بفرض رسوم جمركية على وارداتها من الحديد الأوروبي الصلب والألمنيوم، بحسب ما أبلغ به وزير التجارة الأمريكي الصحفيين في مؤتمر صحفي عقد لأجل ذلك، بنسب تتراوح ما بين 25 بالمائة بالنسبة للحديد الصلب، ونسبة 10 بالمائة بالنسبة للألمنيوم، ليرد رئيس المفوضية الأوروبية السيِّد جان كلود يونكر على تلك العقوبات بالقول بأن الاتحاد الأوروبي سيفرض تدابير سريعة وحازمة للرد على تلك التدابير والعقوبات الأمريكية، فيما يبدو بأنه بداية حرب اقتصادية وتجارية بين الطرفين، وهي نفس الإجراءات الأمريكية التي شملت قبلها الصين وكندا والمكسيك. وهؤلاء يعتبرون من أهم شركائها الاقتصاديين حالياً.

 

فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يتساهل مع كل من يخلف توجهاتها السِّياسية أو الاقتصادية، أو نظرته لكيفية التعامل مع التحديات الدولية الراهنة، حتىَّ وإن كانوا حلفاء استراتيجيين لبلاده كالأوروبيين مثلاً، فأوروبا التي لم تعد تحبذ الانسياق وراء أفعاله المجنونة، وسياسته العشوائية والغير المتزنة، والتي أضحت محل سخرية من طرف الكثير من السَّاسة ووسائل الإعلام حتى داخل بيت العم سام، فالرجل الذي يحاول أن يفرض عقوبات اقتصادية على طهران، ويهددها بشن حرب عسكرية وشيكة عليها، يسارع بالمقابل إلى عقد لقاء قمة في سنغافورة مع الرئيس الكوري الشمالي الشاب كيم جونغ أون، والذي لا يخفى على أحد امتلاك بلاده للعديد من القنابل الذرية والهيدروجينية، وهو اللقاء التاريخي الذي أكد فيه ترامب على أنه يريد بناء علاقة رائعة من بيونغ يانغ، بالرغم من الرفض الغربي لهذه الخطوة الأحادية من جانب واشنطن، وكذلك يصمت ترامب عن امتلاك الكيان الصهيوني لأكثر من 200 رأس نووي وهيدروجيني حسب العارفين بخبايا الملف النووي الإسرائيلي، بل وصف ترامب نتنياهو وفي الكثير من خطاباتها السّياسية برجل السلام، واعتبر بأن امتلاك الصهاينة لسلاح الردع النووي هو ضرورة حيوية للأمن القومي الأمريكي، وقيامه بتعيين جون بولتون  مستشار للأمن القومي الأمريكي خلفاً لهربرت ماكماستر، وهو الذي شغل منصب سفير أمريكا السَّابق لدى الأمم المتحدة والقريب من تل أبيب، والذي يعد أحد صقور البيت الأبيض في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن تصب في هذا السّياق، وتعزز من هذه الإستراتيجية الأمريكية التي أصبحت سمة كل الرؤساء المحافظين في العشرين سنة الأخيرة على أقل تقدير.

 

فالسياسة الأمريكية عموما وخاصة في الشرق الأوسط، أصبحت منذ تولي دونالد ترامب للزمام الأمور في البيت الأبيض، تتسم بالعنجهية والغطرسة، والانحياز الكامل لوجهة النظر الصهيونية، وخاصة فيما يخص كيفية  التعامل مع القضية الفلسطينية، حيث يريد ترامب ومن ورائه نتنياهو تصفية هذه القضية نهائياً هذه المرة، وذلك بالرغم من كل المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت بضمانات أممية، والتي ترى بأن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، هي الصيغة النهائية لحل هذه القضية  السِّياسية والتاريخية الحساسة، ولكن ترامب دائماً يعطي ويبرر للصهاينة كل أفعالهم، بما فيها ارتكاب المجازر اليومية والاعتقالات التعسفية، وغيرها ويريد من العالم أجمع أن يقف مع تل أبيب، ويتفهم حاجة إسرائيل إلى الأمن والسَّلام والحماية الأمريكية، فيما تتدخل أمريكا في سوريا وليبيا والعديد من المناطق في قارات الدنيا الخمس، تحت ذريعة الحفاظ على الديمقراطية وحقوق الإنسان، ورعاية السَّلام العالمي، والوقوف إلى جانب الشعوب المستضعفة في وجه أنظمتها القمعية، وهي التي ترعى واحداً من أكبر الأنظمة والكيانات الإجرامية الاستيطانية في العالم وأكثرها دموية، يكفي بأن هذا النظام الصهيوني أباد أكثر من 150 ألف فلسطيني بدم بارد طوال عقود، وهناك الكثير من جرائمه الموثقة التي لا يستطيع أحد إنكارها دولياً، ولكن ولأنه تحت  الحماية و المظلة الأمريكية لا يستطيع أحد محاسبته أو حتى مجرد انتقاده، دون أن يدفع الثمن سياسياً واقتصادياً وإعلامياً على الأقل.

 

ويبدو أن هذه السِّياسة الأمريكية ستصبح ضمن أبجديات السّياسة الخارجية الأمريكية في العالم، مادام أن واشنطن تتحكم في الكثير من المنظمات الدولية والإقليمية، وتسير الكثير من الدول والأنظمة من خلف الستار، وسيبقى الكيان الصهيوني بالتالي يعربد في المنطقة العربية، ويفعل ما يريد ويلفق التهم لإيران وسوريا والمقاومة الفلسطينية، و لكل من يفضح مخططاته الاستعمارية في المنطقة.  فترامب إذن مستعد لخسارة  معظم حلفائه الأوروبيين وغيرهم حماية لنتنياهو والمشروع الصهيوأمريكي في منطقة الشرق الأوسط ككل