يبدو أن الرئيس ترامب سيدخل التاريخ من الباب الواسع. لقد دخل التاريخ لأنه فاجأ العالم والأمريكيين بوصوله للبيت الأبيض بالأساس، ودخل التاريخ من خلال لغته الغارقة بالسوقية التي لم يعتد المواطن الأمريكي على سماعها من رئيس سابق. لغة الرئيس حول المرأة وتجاه الذين يختلفون معه قلما يستخدمها القادة السياسيون. ترامب عمليا أول رئيس وصل للبيت الأبيض في ظل حملة عنصرية ضد الأقليات والملونين. إنه بلا منازع رئيس الخوف والقلق من الأقليات التي ستكون أغلبية ديمغرافية خلال عقدين ونصف(2045). إن ترامب هو أول رئيس أمعن في إثارة مزيد من النزاعات في الوسط الأمريكي. لقد شق الأمريكيون على كل صعيد. بل إنه أول رئيس بدأ عهده بمنع المسلمين من رعايا دول عربية وإسلامية من دخول الولايات المتحدة، وقد نتج عن ذلك حراك مجتمعي أمريكي كبير لمنع تطبيق هذا القرار. وهو أيضا أول رئيس جاء إلى البيت الأبيض بلا أي خبرة سياسية في العمل السياسي. وجوده في البيت الأبيض سابقة.
الرئيس الأمريكي هو أول رئيس يمحو بجرة قلم وبسلسلة مواقف وتوقيعات متسرعة كل ما قام به الرئيس الذي سبقه، فقد ألغى الاتفاق النووي الإيراني، وألغى الضمان الصحي، وانسحب من اتفاقية المناخ، ورفض التوقيع على بيان الدول الاقتصادية الكبرى السبع، بل وخلق مشكلات مع دول أوروبا وكندا والمكسيك، وطرح إقامة جدار مع المكسيك، وحرب اقتصادية مع حلفاء بما فيهم الصين، لكنه تفاهم مع كوريا الشمالية والتقى كيم جونغ رئيسها.
وترامب أول رئيس ترفع ضده الكثير من القضايا، فبمجرد انتخابه بدأت القضايا والتحقيقات تلاحقه من كل مكان، فهناك قضايا تتعلق بعلاقته وعلاقة فريقه في الحملة الانتخابية مع روسيا وقضايا تم رفعها من قبل سيدات اتهمن الرئيس بالتحرش. وقد تطور الأمر لأنه أصبح مطروحا في كبرى المؤسسات الإعلامية. وترامب أول رئيس ضرب القانون الأمريكي بعرض الحائط، إذ أقال مسؤولين للتأثير على مجرى التحقيق، ووضع وزيرا للعدل لأنه من فريقه، وأعلن إنه سيعفي نفسه من كل الملاحقات رغم وجود قانون صريح يمنع أن يكون الرئيس في حالة توجيه إتهام له طرفا في عملية العفو. سيسجل التاريخ بأن من استقالوا وفصلوا من إدارة ترامب ( أكثر من 16) في أول عام ونصف كانوا أكثر ممن استقالوا وأقيلوا من أي من الإدارات السابقة.
ويدخل ترامب التاريخ بسبب الحرب التي شنها ضد الإعلام، وبسبب قدرته على تجاهل الإعلام. لم ينجح رئيس في السابق بتجاوز وسائل الإعلام الأمريكية بصفتها السلطة الرابعة، فكل الرؤساء اهتموا بصورتهم وبسمعتهم بصفتهم متوازنين وعقلانيين وقادة حقيقيين إلا ترامب. ترامب أول رئيس لا يبالي بالإعلام للحد أنه يغرد وكأنه ليس رئيسا لأكبر وأهم دولة. و ترامب أصبح أول رئيس يرد عليه خصومه باللغة السوقية ذاتها التي يستخدمها كما حصل منذ أيام في احتفال جوائز توني مع الممثل الشهير روبرت دينيرو.
سيسجل التاريخ أن ترامب كان أول رئيس أمريكي يعترف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة إسرائيل، وأول رئيس سعى بكل قوة بالتفاهم مع أطراف عربية وصهيونية وإسرائيلية لإنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها بلا حل عادل بل من خلال فرض شروط استسلام على كل الأطراف العربية والفلسطينية. لكن من دون معرفة منه أضاف على نزاع الشرق والغرب، وخلق روح مقاومة متجددة في العمق الفلسطيني، كما وأضر بسمعة ومكانة الولايات المتحدة بسبب تشجيعه للاحتلال والاستيطان والظلم وبسبب تحديه لقرارات دولية ساهمت الولايات المتحدة في صياغتها. ترامب أول رئيس شجع دول متحالفة مع الولايات المتحدة علي التصادم مع بعضها البعض كما فعل في أزمة الخليج وحصار قطر، إنه أول رئيس تحدث بلغة تبرر أخذ أموال دول الخليج مقابل الحماية، وهو أول رئيس خرج من اتفاق مع دولة تلتزم بالاتفاق كما فعل مع الاتفاق النووي الإيراني.
وترامب هو أول رئيس أمريكي يثير حوله زوبعة كل يوم، فكل تصريح ينطق به ترامب يؤدي للإثارة، إنه رئيس الإثارة والانقسامات. فترامب هو أول رئيس أمريكي لا يملك رؤية، ولا يحمل موضوعات جديدة للعالم، ولا يهمه مستقبل الأجيال الصاعدة أو مستقبل العالم والبيئة أو العدالة والإنصاف. إنه أول رئيس يكشف لنا وجها أكثر قبحا للولايات المتحدة. فترامب يمثل النقيض لقوة أمريكا الناعمة ولقيمها حول الديمقراطية والعدالة. مع ترامب وجه آخر للولايات المتحدة لا يعبأ بالشعوب والحقوق والقيم، ويمارس بلا تردد عبادة المال ونشر الكراهية والخوف. لهذا بالتحديد فهو أول رئيس يتعامل مع رؤساء وقادة الدول بأسلوب البلطجة والفوقية. إنه أول رئيس يصافح الآخرين بأسلوب لا هو رئاسي ولا هو طبيعي. إنه أول رئيس لديه صور وفيديو وهو يلعب المصارعة مع المصارعين الأمريكيين. وهو أول رئيس أدت سياساته وشخصيته لهذا الضمور في مكانة الولايات المتحدة المعنوية، الرئيس ترامب أضعف الولايات المتحدة وحجم مكانتها. لكن ترامب هو أول رئيس لا يحب القراءة ولا المعرفة، ولديه قدرة محدودة على التعبير الثقافي، وهذا قد يفسر عدد من سياساته المرتبطة بضحالة فهم لمسارات العالم الراهنة والمقبلة.
ترامب سيترك الولايات المتحدة في لحظة قد تكون مفاجأة، وقد يكون مصيره كمصير الرئيس السابق نيكسون الذي استقال قبل نهاية عهده. ومن جهة أخرى كلما طال أمد ترامب في البيت الأبيض، خاصة إنْ وصل للرئاسة مرة ثانية في 2020، كلما تعاظم الأثر السلبي الذي سيتركه على الولايات المتحدة والعالم. ترامب سيغادر البيت الأبيض آجلا أم عاجلا، لكنه سيغادر بعدما يحول الولايات المتحدة لدولة أضعف مما كانت، سيترك الولايات المتحدة جريحة منقسمة وأقل من دولة كبرى، سيتركها ضحية لصعود الصين وروسيا ولمكانة أوروبا، سيتركها بلا حليف كندي أو مكسيكي أو لاتيني وسيتركها وهي في قمة اهتزازها في الشرق الأوسط مع حليفها الإسرائيلي. مهما كان الرأي الذي يحمله البعض تجاه الرئيس الأمريكي السابق أوباما، إلا أنه ترك الولايات المتحدة قوية ومتماسكة وعرف عنه العمق الثقافي والاتزان والعقلانية. مع ترامب تراجعت الولايات المتحدة وهي الآن تعاني من العزلة بينما ينفض الحلفاء من حولها. على الأغلب لن تشهد الولايات المتحدة رئيسا آخر كترامب، سيكون ترامب آخر رئيس أمريكي على هذا المقاس المتوتر والمبعثر.
نقلا عن القد س العربي