إن انتهاج النظام لسياسة تقنين إقصاء الشخصيات السياسية الممانعة والأحزاب المبدئية والعبث بالدستور لتكريس حكم الفرد و إلغاء المؤسسات التشريعية التي تضمن التوازن بين السلط وانتهاك حرمة القانون لتنفيذ أجندته الأحادية والتضييق على الحريات للتدليس على الرأي العام ومحاصرة رجال الأعمال المعارضين وابتزاز المواطن العادي وتنظيم حزب يُكره الموظف والوزير والجنرال لأن يُنسبوا له من يعرفون ومن لايعرفون، أمور تشي بنية النظام تأسيس نظام استبدادي توليتاري.
ويمعن النظام في التماهي مع سياسات الأنظمة الشمولية ففكك النسيج المجتمعي وتلاعب باللحمة الوطنية ونال من الشخصيات التاريخية والوطنية وتلاعب بتاريخ البلد لتأليه نفسه، وشيد رأس السلطة إمبراطورية مالية مشبوهة مستغلا منصبه السياسيي لرعاية التجارة في المنطقة ولم يتوان عن الاستدانة على كاهل المواطن في مشاريع وهمية لا تسهم في الرفع من الناتج الداخلي الخام ولا من القدرة الشرائية ليستأثر لنفسه بالمصالح الاقتصادية و يحتكر الفساد لوحده.
انتجت هذه الوضعية خوفا لدى كل الأطراف الفاعلة في المشهد الوطني وأدت إلى التآكل الحاصل بين أطراف النظام وباينت بينهم في المصالح والرؤى حول المسار الحالي ومابعد 2019 و تصريحات سفيري الولايات المتحدة الآمريكية والاتحاد الأوروبي التي أشادت بنية ولد عبد العزيز عدم الترشح لمأمورية ثالثة تحذيرا له من مغبة التمادي في رعاية وتشجيع مبادرات المأمورية الثالثة وتحسبا لتراجعه عن نيته وحنثا باليمين الدستورية وهو من وصفه أحد الرؤساء الأوروبيين بقوله " إن ولد عبد العزيز يكذب كما يتنفس".
إن مايؤرق ولد عبد العزيز هو توفر الظروف الموضوعية للتغيير ومحدودية السيناريوهات المتاحة أمامه وغياب شرعية سياسية يستند عليها نظامه ويواجه بها القوى الديمقراطية والضغوطات الدولية من أجل إستقرار المنطقة، فماهي الشرعية التي سيستند عليها؟ وأي السيناريوهات سيختار؟!
❖ إستمراره في السلطة عبر تمرير تعديلات لادستورية من البرلمان المنتخب والذي قد يضم كل الطيف المعارض و قوى شبابية جديدة دون الحصول على الثلث المعطل لغياب هيئات مستقلة وضمانات الشفافية؛
❖ توريث السلطة لأحد الضباط العسكريين ويضمن هذا الخيار لبعض الاطراف استمرار التنسيق في الجانب الامني وتحولا ديمقراطيا شكليا يحافظ على وحدة النظام ومن سبق وتعايشوا مع المخزن وسدا للطريق أمام المعارضة الجادة.
❖ توريث السلطة من داخل الطيف السياسي الموالي ولن يكون إلا مرحليا في انتظار فصل جديد من فصول المهزلة الانتخابية؛
❖ الخيار الأمني، أن يختلق النظام مشكلا أمنيا مع إحدى دول الجوار أو بين المكونات الاجتماعية، يكون مبررا لتأخير الآجال الانتخابية وهو الخيار الأضعف لإستحالة حصول إجماع عليه داخل المؤسسة العسكرية، إضافة إلى التوتر في المنطقة والمصالح الدولية فيها.
ومهما يكن خيار النظام فلن يحصل على شرعية دستورية اللهم شرعية بأوصال لأحزاب سياسية مكرهة.
إن على الجميع أن يدرك أن التخطيط السياسي الناجح لا يعني بالضرورة تحقيق مكاسب آنية في العملية الانتخابية بل هو تحقيق الأهداف الاستيراتيجية و أحيانا التكتيكية التي تراعى البعد الإستيراتيجي، فالأحزاب السياسية لم توجد للمشاركة فهي السابقة عليها في النشأة ماينفي ذلك ويجعلها أداة لتكريس السلطة في الأنظمة الشمولية أولخلق الوعي ولتسهم في ظروف التغيير في البلدان شبه الديمقراطية أو للوصول إلى السلطة في البلدان الديمقراطية.
إن تعرية النظام وكشف مخططاته وجاهزية القوى الحزبية لإعطاء النموذج المنشود في مجتمع لايؤمن إلا بالمجسد ولايقبل من الخيارات سوى المعهودة هي التي تساهم في خلق الظروف الذاتية للتغير التي تنقص القوى الحزبية والمجتمع لأن يكون فاعلا في المشهد ومرجعا يحتكم عليه الجميع.
إن وجود موريتانيا على بوابة منطقة الساحل الملتهبة والنشطة بتهريب السجائر والمخدرات والقاعدة الخلفية للمجموعات المتطرفة يجعلها بحاجة إلى الإستقرار السياسي أكثر من ذي قبل خاصة مع اكتشاف النفط والغاز بكميات هائلة على الحدود الموريتانية السنغالية الذي قد يحول البلد – لاقدر الله- إلى بؤرة للصراع وعدم الإستقرار، مايستلزم من جميع الأطراف الوطنية والدولية المساهمة في خلق توافق سياسي يفضي إلى مؤسسات منتخبة وشرعية تضمن وجود حكامة رشيدة قادرة على التصدي لهذه الأخطار المحدقة بالبلد حتى لاتضيع موريتانيا بين الاستبداد والفوضى.