في خطوة وصفت بالمرتجلة، من قبل عدد كبير من النواب الافغان، تلك التي اتخذها الرئيس الافغاني اشرف غني والمتمثلة بالسماح لمسلحي طالبان من دخول المدن الافغانية التي يسيطر عليها الجيش الافغاني، للمشاركة في الاحتفالات التي اقيمت بمناسبة وقف اطلاق النار بين الجيش وطالبان بعد الهدنة التي اعلنها غني والتي وافقت عليها طالبان.
تخوف هؤلاء النواب المعارضين لخطوة غني يعود الى عدم استشارته سياسيين في الأمر كما لن تكون أمامه فرصة للتراجع إذا رفضت طالبان طلبه المرتجل بتمديد وقف إطلاق النار، فيما عناصر طالبان يتجولون في جميع انحاء افغانستان دون رقابة، ودون ان تكون للجيش الافغاني اليد العليا في حال نكثت طالبان عهودها واستغلت تسلل عناصرها الى المدن.
من بين هؤلاء المتخوفين أمرالله صالح وهو سياسي وقائد سابق لجهاز الأمن القومي الافغاني عندما وصف اجراء غني بالسماح لمقاتلي طالبان من دخول المدن،بانه «خطأ فادح»، مشددا على عدم امتلاك الحكومة آليات للتخفيف من وطأة انتهاك طالبان لوقف إطلاق النار في حال حدوثه.
يبدو ان الجهة الوحيدة التي تقف وراء خطوة غني، هي الولايات المتحدة الامريكية، التي تحاول بأي شكل من الاشكال، لا لإحلال السلام في افغانستان عبر نزع سلاح طالبان، بل عبر تغيير الهدف الذي يستهدفه هذا السلاح، وعبر تشريك جهات اقليمية من اجل انجاح هذه الخطوة، كما اعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي كرر يوم السبت الماضي، مطالبه بإشراك اطراف اخرى في محادثات السلام بين الحكومة الافغانية وجماعة طالبان.
دبلوماسي غربي بارز طلب عدم الكشف عن اسمه، قال انه التقى مسؤولين أفغانا يوم الأحد لاستكشاف فرصة إجراء محادثات عبر قنوات خلفية مع قادة طالبان ، مشددا على ان الرئيس الافغاني يحظى بمباركة كاملة من الإدارة الأمريكية .
وأضاف هذا الدبلوماسي في تصريح لوكالة انباء رويترز: ان من الحيوي للمسؤولين الأمريكيين أن يثبتوا أن سياسات الرئيس الامريكي دونالد ترامب تنجح وأن المحادثات مع طالبان الأفغانية وشيكة.
يبدو ان امريكا لم تكتف في تشجيع غني على الجلوس مع طالبان من اجل التوصل الى معاهدة «سلام»، بل اخذت تمارس ضغوطا على باكستان من اجل ان تضغط بدورها على طالبان للجلوس الى طاولة المفاوضات، لما تمتلكه باكستان من نفوذ قوي على طالبان عبر اجهزة مخابراتها.
المراقبون لما يجري في افغانستان، يؤكدون على ان واشنطن تسعى بكل من تملك من نفوذ الى محاولة تغيير تجاه فوهة بندقية طالبان صوب ايران، وهذا المسعى الامريكي يأتي بالتزامن مع محاولاتها لتصفية القضية الفلسطينية وإلى الابد عبر فرض «صفقة القرن» على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، بعد التواطؤ الفاضح للحكومات العربية التي كانت اكثر استعجالا من ادارة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية.
ما يجري في افغانستان، يأتي في اطار الاجراءات التي تقوم بها ادارة ترامب بالتنسيق مع «اسرائيل» والحكومات الرجعية العربية، لإسكات اي صوت معارض ورافض لصفقة القرن، وفي مقدمة هذه الاصوات صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، حيث بدأتا الضغوط تمارس على طهران عبر الانسحاب الامريكي من الاتفاق النووي، وعبر التهديد بفرض عقوبات خانقة على طهران من خلال تهديد الشركات الغربية التي تعمل في ايران، وعبر محاولات اطالة امد الحرب في سوريا من خلال دعم «داعش» والجماعات التكفيرية، وعبر دعم العدوان على اليمن واشعال حرائق جانبية من اجل ذر الرماد في العيون لتمرير المخططات الامريكية، وعبر اغراق السوق النفطية بالنفط السعودي الرخيص، وعبر اثارة النعرات الطائفية والقومية في ايران والمنطقة.
ما ذكرناه كان حساب الحقل الامريكي وهو بالتاكيد لن يكون كحساب البيدر الاقليمي، فامريكا منذ وطأت قدماها ارض افغانستان منذ اربعين عاما، والهزائم تلاحقها مرة تلو الاخرى، فلم تفلح في اي من مخططاتها التي ارادت من ورائها النيل من ارادة شعوب المنطقة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، من اجل فرض الكيان الاسرائيلي ككيان طبيعي على المنطقة، فمنذ نحو 70 عاما وشعوب المنطقة ترفض الجسد الغريب المزروع فيها، وان حالة الرفض لهذا الجسد الغريب اصبحت اليوم اكثر شدة من ذي قبل، فلا يمر اسبوع الا وتشهد المناطق الفاصلة بين غزة والاراضي الفلسطينية المحتلة تظاهرات واحتجاجات يشارك فيها مئات الالاف من الفلسطينيين رجالا ونساء واطفالا مطالبين بحق العودة الى مدنهم وقراهم، رغم سقوط مئات الشهداء والاف الجرحى.
ان صفقة القرن لن تمر، فمثل هذه الصفقة نسجت من خيال ترامب واليمين الامريكي المتطرف، وهو خيال مريض، لذلك لن تجد طريقها الى التطبيق ابدا، حتى لو جمع ترامب كل مشايخ وامراء العرب الى جانب دهاقنة الصهيونية، فالقدس ليست مدينة كباقي المدن كما يعتقد ترامب، فالقدس تعني الاسلام والمقدسات والعروبة والتاريخ والحاضر والمستقبل والعزة والكرامة والشرف، بالنسبة الى اكثر من مليار ونصف المليار انسان في العالم.