مصر والتحالف ضد داعش

سبت, 2014-10-11 18:54
هالة مصطفى

التحالف الدولى الذى تشكل للحرب على داعش يعد الأكبر منذ التحالف المشابه الذى تكون فى حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت) فى بداية التسعينيات .

 

 اذ بلغ عدد الدول الأوروبية والعربية والشرق أوسطية ما يقرب من خمسين دولة، وهو عدد يفوق عدد الدول التى شاركت فى التحالف الأول. وفى الحالتين فان الولايات المتحدة هى التى دعت وقادت التحالف، ربما الفارق بين الحالتين أنه فى الحالة الأولى كان هدف الحرب واضحا ومحددا (تحرير بلد عربى بعد غزو نظام عربى آخر له) ولم يكن من الصعب التوافق عليه وبالتالى تحديد دور الدول المنضمة له بدقة، بل وأيضا تحديد العائد على كل دوله من مشاركتها فى الحرب، أى تحديد مصلحتها المباشرة، لذا فقد ارتفعت درجة مشاركة أغلب الدول بدءا من تقديم التسهيلات اللوجستية والتعاون الأمنى الى ارسال قوات مقاتلة على الأرض. ومعروف أن مصر شاركت بقواتها فى هذه الحرب واعتبرتها جزءا من الدفاع عن الأمن القومى للاقليم ككل. ولأن الهدف كان محددا فلم يطل أمد المعارك التى انتهت بتحرير الكويت و استعادة الاستقرار الاقليمى وفتح المجال لتسويات أخرى فقد عقد بعدها مباشرة مؤتمر مدريد للسلام وتلاه توقيع«اتفاقيات أوسلو» 1993 والتى لعبت مصر فيها أيضا دورا رئيسيا الى جانب الفوائد الاقتصادية التى تحققت للدول المشاركة فى هذه الحرب سواء من خلال المساعدات المباشرة أو اسقاط ديون بعض الدول المشاركة فى التحالف.

أما التحالف الواسع الذى تشكل للحرب على داعش، فهو وان كان يحمل الكثير من ملامح التحالف الأول الا أنه قد يكون أكثر تعقيدا والتوافق بين دوله أصعب، ليس فقط لأنه يأتى فى بيئة اقليمية مغايرة لتلك التى كانت سائدة فى التسعينيات من حيث حجم التناقضات والصراعات والتنافس بين دول الاقليم وحتى على مستوى كل دولة على حدة، وانما أيضا لأنه يشكل مجرد جولة جديدة فى حرب واسعة على الارهاب بدأت منذ الحادى عشر من سبتمبر وحتى الآن. وهذه الحرب الواسعة أو المفتوحة لا تبدأ أو تنتهى بمعركة واحدة حاسمة، وانما قد تنتقل ساحتها أى ساحة المعركة من منطقة الى أخرى وفق ما يظهر من تنظيمات متطرفة مسلحة جديدة تنتشرعلى طول الاقليم. ففى البداية كانت حركة طالبان فى أفغانستان، ثم تنظيم القاعدة الممتد بفروعه فى أكثر من دولة واليوم داعش فى سوريا والعراق، وبعدها قد تكون هناك ساحات أخرى كليبيا أو السودان أو اليمن أو سيناء. وهذا الواقع يرتب أولويات للمواجهة فى أى حرب على الارهاب، وهذه الأولويات بدورها تحدد مدى حماس الدول المنضمة للتحالف ودرجة ونوعية مشاركتها فيه. لذلك ظهر منذ اليوم الأول تباينا فى وجهات النظر بين أطراف التحالف خاصة اذا أخذنا مواقف الدول الاقليمية الكبيرة كمقياس. فالسعودية على سبيل المثال بدت الأكثر حماسة من بين دول التحالف انطلاقا من اعتبارات مصالحها القومية العليا، حيث تزامن مؤتمر جدة مع المؤتمرات الدولية التى عقدت لهذا الغرض سعيا من الرياض لتوحيد مواقف دول الخليج ورفع درجة مساهمتها المالية فى هذه الحرب والتى ستكون الأضخم، مثلما سارعت أى السعودية بالمشاركة فى أولى الضربات الجوية التى قامت بها قوات التحالف ضد التنظيم على الأراضى السورية. ولاشك أن للمملكة أسبابها ودوافعها لاتخاذ مثل هذه القرارات، فتنظيم داعش هو تنظيم سنى متطرف يسعى لتكريس شرعية زائفة لقيادة العالم السنى والنيل مباشرة من الدور القيادى للسعودية, فضلا عن تحملها مسئولية حماية الثروة النفطية (آبار البترول) التى باتت بدورها مستهدفة من مثل تلك التنظيمات. ومن ناحية أخرى فان مشاركة السعودية بهذا القدر والحجم فى التحالف يحقق لها مصلحة اضافية تمكنها من دعم المعارضة السورية التى تشارك فى الحرب على داعش فى مواجهة النظام السورى الحالى المعروف بعدائه مع السعودية وتحالفه مع خصمها الاقليمى التقليدى أى ايران, والتى كانت سببا فى أول توتر للعلاقات السعودية الأمريكية بعد انفتاح واشنطن على طهران فى الآونة الأخيرة.

وبنفس المنطق فان لتركيا أسبابها ومصالحها التى دفعتها لرفع حجم مشاركتها فى تلك الحرب ، حيث وافق برلمانها سريعا على ارسال قوات عسكرية برية الى سوريا والعراق . صحيح أن تركيا عضو فى حلف الناتو، وهو ما يرتب عليها التزامات فى أى حرب يخوضها الحلف مقابل الحماية التى يوفرها لها، الا أن ذلك لا ينفى وجود مصلحة مباشرة تسعى أنقرة لجنى ثمارها بعد انتهاء المعارك، وفى مقدمتها تدعيم مكانتها الاقليمية فى مواجهة منافسيها والتخلص من نظام بشار فى سوريا، فضلا عن تحجيم طموح الأكراد (سواء أكراد سوريا أو أكراد تركيا) خاصة بعد اعتماد الولايات المتحدة فى الفترة السابقة على قوات البيشمركة الكردية فى مواجهة داعش على الأراضى السورية والعراقية ما وفر لهم مكانة متميزة فى الاستراتيجية العالمية فى الحرب على الارهاب مما أثار مخاوف تركيا من تزايد النفوذ الكردي، و بالتالى فدورها الحالى سيمكنها من امتلاك أوراق ضغط اضافية على الولايات المتحدة تحقق بها مطالبها الاقليمية، خاصة أ ن دورها لا غنى عنه فى هذه الحرب بحكم عبور مقاتليى ومتطوعى داعش من أراضيها.

أما بالنسبة لمصر فالموقف يختلف، فالحرب على داعش ليست مثل حرب الخليج الثانية والأولويات التى تفرضها فى الوقت الراهن بالقتال على الجبهتين السورية والعراقية قد لا تكون هى بالضرورة نفس الأولويات التى تراها مصر فى حربها على الارهاب . ان مصر لا تشكك فى شرعية هذه الحرب ولا فى أهمية التحالف الدولى و الذى انضمت اليه فور تشكيله ، لكن طبيعة دورها وحجم مشاركتها سيظل مرهونا بعوامل أخرى وفق ما تمليه مصلحتها القومية أسوة بالدول الأخرى المنضمة للتحالف ، فعلى سبيل المثال ستظل أولويات مصر مرتبطة بالمخاطر التى تهددها مباشرة سواء على حدودها الشرقية (سيناء)، أو الغربية (ليبيا التى باتت تحت سيطرة الاخوان المسلمين مع جماعات تكفيرية أخرى مثل جماعة أنصار الشريعة وغيرها) لذا فهى قد تقصرمشاركتها فى المرحلة الحالية على التعاون اللوجستى والأمنى دون ارسال قوات على الأرض، حيث لا تعتبر أن لديها مصلحة مباشرة فى المعارك الدائرة على الأراضى السورية أو فى اسقاط النظام السورى . كذلك فان التوتر السابق فى العلاقات المصرية الأمريكية ربما القى بظلاله على درجة حماس القاهرة للتحالف الدولى الذى تتزعمه الولايات المتحدة و الذى أدى الى تجميد جزء من المساعدات العسكرية المقدمة لمصر. ومن هنا كان تأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حديثه الى وسائل الاعلام الأمريكية على ضرورة الافراج أولا عن طائرات الأباتشى العشرة التى احتجزتها واشنطن بعد 30 يونيو كبادرة لحسن النوايا و بدء صفحة جديدة فى العلاقات أى العلاقات المصرية الأمريكية والتى تعد عنصرا حاسما فى تحديد درجة مشاركة مصر فى التحالف.