احتفالات الدم وثورة يناير كما تراها السلطة

أحد, 2015-02-01 21:14
عبير ياسين

في كلمته التي جاءت بمناسبة ذكرى ثوره 25 يناير، اختار الرئيس السيسي أن يبدأ بتقديم العزاء للسعودية بمناسبة وفاة الملك عبدالله، وتهنئة الملك سلمان بن عبد العزيز على توليه السلطة. مفارقه العزاء والتهنئة في بدايه الكلمة، ورغم إمكانية تخصيص كلمة منفصلة لكل حدث بما يستحقه، لا تختلف عن مشهد الذكرى وما تشهده كل الأحداث المماثلة منذ يناير، من سقوط دماء جديدة لم يتوقف أمامها الرئيس كثيراً، وتعامل معها بوصفها مجرد تضحية ممتدة من أجل مصر.
أن يتم التعامل مع استمرار سقوط ضحايا بعد تلك السنوات، بأنها جزء من التضحية من أجل «أن تبقى مصر وأن ترتفع.. وأن تتقدم»، مسألة مهمة لأن الموت لا يتم في فراغ ولا يحدث دوما بعيدا عمن تولى أو يتولى السلطة منذ الثورة. ولا يمكن القول إن كل من مات أو أصيب منذ يناير سقط على أيدي قوات خارجية أو عناصر إرهابية، فهناك من يسقط بدون معارك وفي مواجهة أجهزة السلطة، خاصة الداخلية التي لازالت تثير الكثير من الجدل والانتقادات، كما حدث في نفس يوم الكلمة بوفاة أمينة العمل الجماهيري بحزب التحالف الاشتراكي شيماء الصباغ، أثناء حراك سلمي، وما حدث في أحداث الذكرى من مواجهات وقتل واعتقالات.
الحديث عن خط متصل للموت في سبيل مصر، لا يفترض أن يكون مجرد كلمات عابرة، لأنه يحمل ضمنا خطورة تفريغ معنى الموت على أيدي السلطة وأجهزتها من قيمته ومن مسؤوليتها المفترضة، ويجمع المراحل التي مرت من يناير في خط وهمي متصل. ويخالف دور السلطة المفترض في حماية الحياة، والقوانين التي تتمسك السلطة بها – رغم سلبياتها - كما هو الوضع مع قانون التظاهر، الذي تعلن الالتزام به في القبض على من يعترض على الأوضاع، وتخرج عليه في أساليب التعامل مع من يتظاهر، وتدرج أساليب المواجهة المفترض، وتخرج عليه عندما تكون التجمعات مؤيدة.
ولا تتوقف قيمة كلمة السيسى عند فكرة امتداد حالة التضحية، ولكنها تناولت جزءا آخر مهما في ما يتعلق بثورة يناير ورؤيتها لها، خاصة في ظل التساؤلات المستمرة حول موقف السلطة من الثورة، وهي تشيد بها من جانب وتحتويها وتحاربها أو تدعم من يحاربها من جانب آخر.
ظهرت يناير في الكلمة بوصفها «شعلة جديدة» للأمل والتقدم والتحرك. كما ظهرت بوصفها ثورة للتغيير فشلت في تحقيق أهدافها التي جاءت 30 يونيو من أجل تصحيحها. ومع الاحتفاء بيونيو ينتقل الحديث إلى المطلوب من المواطن والمفترض عمله، حيث التغيير الذي يصفه الرئيس بالثورة، يفترض أن يكون في العمل والمدرسة والمصنع، قبل أن ينتقل لمعادلة السلطة للمستقبل القائمة على الكثير من الحركة والعمل والصبر. والنتيجة، وبافتراض بعض الثبات، نظام مسيطر تنعم فيه السلطة بالهدوء والمواطن بالصبر. أما السلبيات التي تحتاج وقتا للتغلب عليها - كما قال- فإن التعامل معها جماعي لا يحمل السلطة أي دور محدد، وهو ما يتسق مع فكرة التفويض والترشح في الانتخابات الرئاسية استجابة للجماهير وغياب البرنامج الانتخابي.
ويرتبط الحديث عن استخدام مفهوم الثورة في سياق الحياة العادية بتوسيع استخدام المصطلح، كما ظهر في مطالبته بثورة ضد التطرف، وثورة تصحيح المفاهيم الدينية، وعاد وتحدث عن ثورة تغيير داخلي للذات. فتوسيع استخدام المفهوم يقلل من قيمته ويحوله لمفهوم عادي يتعلق بالتفاصيل وليس بالأحلام الكبرى التي عبرت عنها يناير، ويجعلها جزءا من الخطاب اليومي الذي لا يرتبط بلحظة تحول كبرى.
من جانب آخر، يبدو من الحديث وكأن مصر تجاوزت مطالب التغيير السياسي بالوصول إلى 30 يونيو الذي أصلح يناير، وأن التركيز الحالي والمقبل يقتصر على التغيير بمفهومه الاجتماعي والديني، وهو ما يتسق مع أحاديث سابقة للرئيس يؤكد فيها على دور السلطة ودوره المباشر في ما يتعلق بالقيم والدين والأخلاق. ينتهي التغيير السياسي ليبدأ التغيير الاجتماعي في إطار الأخ الأكبر أو السلطة المسيطرة، وفي الخلفية ترتبط يناير بالإخوان وغيرهم من صور الإعداء، لدرجة أن يتحدث البعض عن أن الاحتفال بالثورة هو تأييد للإخوان ودعم لمخططاتهم، في تجاوز لحقيقة شعبية يناير وعدم ارتباطها بأي فصيل سياسي، وفي تجاوز لخطاب تلك الوجوه نفسها، عندما يتم التعامل مع 30 يونيو، وضرورة أن يكون الاحتفال بها بمثابة رسالة دعم للسلطة واستفتاء على الشعبية.
في الوقت نفسه يتم التجاوز عن واقع ما قبل يناير، الذي يحضر على استحياء في حالات الغضب، كما حدث بعد حكم براءة الرئيس الأسبق مبارك ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وغيرهم، في قضية قتل المتظاهرين. تجاوز أخطاء عقود ما قبل يناير يتماشى مع فكرة الإشادة بكل ما يرتبط بثورة يوليو 1952 بوصفها ثورة الجيش. يتم التجاوز عن يناير بوصفها ثورة شعبية لصالح ثورة الجيش في يوليو وتصويب التغيير الذي دعا إليه الجيش وقام به في يونيو. تبدو القضية استمرارا لخط الثورة المتصل الذي برز في أحاديث سابقة للرئيس، حيث يناير مجرد نقطة أخطأت وصوبها الجيش أيضاً، وكأن ثورة يوليو هي الشعلة القديمة ما دامت يناير هي الشعلة الجديدة. ويغيب بهذا الحديث عن وجود أخطاء وفشل سابق أدى لثورات، بتأكيده على أن الثورة ممتدة والأهداف أيضاً، وان تحقيق أهداف الثورة (بداية من يوليو) يحتاج لسنوات. سياق تبدو فيه السنوات بوصفها عقودا، والأهداف بوصفها مراحل، ويناير مجرد غضب شعبي ناتج عن انقطاع حبل الصبر، وليس عن أخطاء حقيقية احتاجت إلى ثورة من أجل تغييرها أو بالأصح تحريكها.
أما الربط بين يناير ويونيو فيؤكد على فكرة التغيير السلبي الذي حدث بعد يناير ومشكلاتها التي قادت إلى يونيو. تتحول مرحلة ما بعد يناير إلى واقع من الشرور يتجاوز ما تم فيها من حكم للمجلس العسكري، ومن أخطاء عديدة في إدارة المشهد. تلك الفكرة تجعل اسم يناير أو فكرة التغيير الشعبي سلبية في ذهن المتلقي، وهو يرى ارتباطها المفترض بتلك الأخطاء والتحديات التي واجهت مصر في تقليص آخر لفكرة الأخطاء وربط مستمر بين يناير والسلبيات.
تستكمل حلقات ربط يناير بالسلبيات بمشهد الدم في الاحتفالات التي تتحول إلى المزيد من تقييد المجال العام والمزيد من التصعيد مع استمرار الموت. يتكرر الحديث بصور مختلفة عن الموت وصور الكراهية بين من يطالب بالمزيد من الدم ويوجه اللوم للداخلية لعدم الرد بعنف أكبر، وبين من يطرح السؤال الذي لا يغيب منذ أحداث فتاة مجلس الوزراء في ديسمبر 2011 عن أسباب النزول، سؤال يرى ان الصباغ مسؤولة عن موتها، لأنها خرجت للاحتفال. ويعترض البعض على القتل لانه يضر بصورة مصر الخارجية، وربما يكون علينا أن نطالب القتيل بأن يبتسم في لحظة الموت حتى تكون الصورة أحلى ولا يضر بالمشهد في الصحف والأخبار العالمية. في حين تحدث البعض عن استمرار الموت بلا مسؤولية في تكرار للسؤال القديم عن الطرف الثالث والكائنات الفضائية المختصة بالقتل، بدون اثر حتى إن قالت الصور والتسجيلات أشياء أخرى عن الفاعل المحتمل، حيث يظل القاتل مجهولا والدم مجرد تضحية من أجل مصر بدون محاسبة.
يبدو مشهد الدم مهما لاستكمال كره الثورة، أما توسيع المفهوم فضرورة للابتعاد عن أصل الفكرة. والمهم أن تتم إذابة يناير في واقع ينتشر فيه حديث الثورة بأنواعها، والخط المتصل لثورة يوليو. 
وفي الذكرى الرابعة يوجد في المشهد الكثير من الجدل على تحسين ظروف القمع من خلال مطالبات بترشيد القتل، ومطالبات بالتزام السلطة على الأقل بقانون التظاهر، رغم ما يثيره من سلبيات، أما على الأرض فتتم مقارنة أعداد قتلى الذكرى الرابعة بغيرها من السنوات السابقة. 
وتتحول أخبار مثل الإفراج عن أبناء مبارك صباح الذكرى أو تدشين حملة توقيعات لتكريم مبارك رسميا إلى أخبار عادية ومنطقية في ذكرى تأتي والتعامل مع فكرة الثورة ملتبس بين مطالب الحقوق والحريات والعدالة باسم يناير، وخطاب الصبر والانتظار باسم يوليو 1952 وصورتها الحديثة في 30 يونيو. ويظل السؤال عن مصدر الموت في الوطن كما طرحه محمود درويش معلقاً.. أهو الخنجر.. أم الأكذوبة؟!