الذهب إذ يودي بالعقول

أحد, 2014-10-12 17:06
	 توجان فيصل

لا نبالغ إن قلنا ان قصة ذهب "خربة هرقلا" قرب مدينة عجلون ستشكل منعطفا سياسيا رئيسا في الأردن، فما يجمع عليه حتى كتاب الدولة المعروفة ارتباطاتهم هو أن مصداقية الأجهزة الرسمية سقطت بصورة غير مسبوقة.

والمؤسف ليس فقط توسع حلقة المتورطين أو المورّطين الرسميين رغما عنهم، بل هو زيادة مساحة وعمق التورط بحيث يتجاوز الذهب لما لا يوزن حتى بالذهب. وقبِلَ المواطن أم لم يقبل كون الدفائن أجهزة تجسس إسرائيلية وليست ذهب الإسكندر، مجرد إعلان ضرورة الاستعانة بذات إسرائيل لإخراجها يثير مخاوف من قيام إسرائيل بتجديد زرع أجهزة تجسس في ذات العملية، فالشريط الذي وزع أظهر غلبة الوجوه الغريبة وشبه غياب الجيش بزيه الرسمي عن قلب العملية التي طمر موقعها فورا ويرفض السماح حتى لصاحب الأرض بحفرها ثانية. ونتيجة التطبيع المبالغ به. الإسرائيليون موجودون في أرضنا تحت مسميات عدة "كالسياحة"، ما يجعلهم قادرين على زرع أجهزة مماثلة بسهولة، إن صحت فاعلية دفن أجهزة تجسس تحت متر أو مترين من تربة أرض حرجية مخفية بالشجر عند العمل عليها ولو نهارا، أو في أي أرض خلاء ليلا!

 

 

 

 

ومما ساقه كاتب رئيس من كتاب التدخل السريع لتسويق القصة، ربطها بقصة اكتشاف خبراء مصريين لصندوق مموه بالشمع في ذات ستينيات القرن الماضي، كل ما لزم لإثبات كونه جهاز تجسس هو قيام طبيب في أحد مستشفيات الجيش (وكل هذا حسب رواية الطبيب المزعومة للكاتب) تصويره بجهاز الأشعة. وأجهزة الأشعة الطبية حينها كانت بدائية مقارنة بما لدينا الآن من أجهزة أشعة تشخص مختلف الأمراض بدءا بنقطة كرأس القلم من خلايا سرطانية لم تنتشر بعد!

 

 

 

وفيما يجول كاتبنا بحثا عن قصص أخرى ليدعم بحججها القصة المستجدة، يورد قصة الترياق في محاولة اغتيال مشعل، مذكرا بأنه تم إطلاق سراح عميلي الموساد فيها! أي هو يذكر بأن الموساد يجوب شوارعنا لغرض الاغتيال لا أقل منذ عقدنا اتفاقية "سلام" مع إسرائيل، ولكنه يرى الآن أن على الأردن أن "يسجل موقفا" بشأن خرق إسرائيل للاتفاقية!

 

 

 

ويعرج على قصة تفجير سابق جرى قبل ثمانية أشهر على طريق المفرق- الخالدية، قائلا إنه بالتصريح الجديد عن تفجير "خربة هرقلة" تأكد لوسائل الإعلام دقة المعلومات التي أدلى بها رئيس هيئة الأركان المشتركة بشأن التفجير السابق الذي أحدث حفرة بعمق مترين في الأرض! صحيح أن التفسير الذي قدم حينها من "مصدر أمني" نفى ما تناقلته وسائل الإعلام عن احتمال أن يكون الانفجار الذي "هز بلدة الخالدية في منتصف الليل" ناشئ عن قذيفة سورية، ولكن ما قيل عن سببه هو "انفجار محطة كهربائية كانت مطمورة منذ زمن بعيد تحت الأرض" ورجح المصدر الأمني كون المحطة "تعرضت لصاعق برق أدى لانفجارها"! أي أنه لم يُقل أن تلك أيضا أجهزة تجسس ليُستشهد بها هنا، فيما القول بأن أجهزة مطمورة تحت الأرض تتعرض لصاعق برق، بينما مانعات الصواعق تقام على أعلى نقاط فوق الأرض ومجرد وصل جهاز كهربائي بسلك "أرضي" يمنع تفجره أو عطبه.. كل هذه الحيثيات تجعل الاتكاء على تفجير الخالدية لتسويق تفسير تفجير "خربة هرقلا" فاتحا لمزيد من التساؤل عن التفجيرين، وعن الثالث المتوقع لكون قصة الذهب المنشورة عن محاضرة المنقب الفرنسي في محاضرة في معهد متخصص بباريس تتحدث عن ثلاثة مواقع!

 

 

 

وأسوأ من هذا محاولة تأكيد وتبرير الكاتب لوجود أجهزة تجسس بوجود الفدائيين في شمال المملكة وفي أحراش عجلون في ستينيات القرن الماضي. فهذا اتهام "للفدائيين" يطلق توترا شعبيا ويعيد للأذهان أحداث أيلول المؤسفة مبررا لها. وفي هذا التوتير للداخل خدمة لإسرائيل ويشجع أكثر على الرد بهشاشة التفسيرات الرسمية لعملية شاركت فيها إسرائيل وأخفيت عن الشعب. ولكن الأسوأ الذي وقع فيه كاتب التبريرات هذا قوله "من المعروف أن معاهدة وادي عربة تتضمن ملاحق أمنية وعسكرية لم تكشف تفاصيلها للرأي العام. وقد أسست تلك الملاحق لعلاقات التعاون الثنائي فيما بعد"!!

 

 

 

والسؤال الصارخ للكاتب وللمسؤولين الساكتين عن مقالته هو: أين ومتى اعترفت الحكومة أو النظام بوجود بنود سرية لم تعرض "للرأي العام"، وما هي هذه البنود؟! فالحكومات منذ تلك التي وقعت "وادي عربة" ظلت تؤكد للرأي العام، ولنا نحن أعضاء مجلس النواب حينها، أن لا بنود سرية!! ربما الكاتب في غمرة اندفاعه لدرء قصة الذهب والدفع بأي شيء وكل شيء في سبيل ترويج رواية أخرى، تورط بكشف "ما هو معروف" له هو عبر صلاته بجهات بعينها. ونذكر الكاتب وكل من خلفه بأن وجود بند سري واحد كفيل بإلغاء أية شرعية مزعومة لاتفاقية وادي عربة!

 

 

 

سلسلة مقالات الكاتب عن ذهب عجلون، بدأها باتهام الشعب بعنوان يقول "ذهب عجلون يسلب عقول الأردنيين".. عقول من سلب الذهب حقيقة؟!