عندما قصد قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، أن يظهر في صورة إلى جانب مقاتلي البشمركة الكردية، يقود المعارك ضد داعش، أراد أن يرسل رسالة إلى الولايات المتحدة، مفادها بأن استبعاد إيران عن التحالف الدولي لن يبعدها عن الأرض، وأن الضربات الجوية لن تستطيع أن تنهي الحرب، ومن يمسك الأرض يملك القرار فيها. وبالتالي، لن تمنعها محاولة عزل إيران من بسط نفوذها في هذه المنطقة، ولو بعد حين.
لم تستطع الرسالة الإيرانية هذه، والتي لم تلقَ جواباً أميركياً، أن تمنع تمدد مقاتلي داعش باتجاه مدينة كوباني، أو ما يعرف بالعربية باسم "عين العرب"، وهو ما أقلق طهران، لما تشكله من نقطة استراتيجية للأكراد، وهي محاصرة ومهددة بالسقوط في أي لحظة، في حال لم يتم التدخل عسكرياً على الأرض من الجيش التركي، أو يسمح بدخول السلاح والرجال الأكراد، لا سيما من القامشلي عبر الحدود التركيَّة باتجاه كوباني، وهذا ما يرفضه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي يشعر، اليوم، بأنه في موقع قوة، بعدما حصل على غطاء المجلس النيابي، بتصويته لصالح الدخول في الحرب على الإرهاب، إلى جانب التحالف الدولي، وهو يحاول الحصول في مطالبه المعلنة على المنطقة العازلة، وهو المطلب منذ 2011، فيما يبقى مطلبه الأساس إطاحة نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، والذي يعتبره فشلاً شخصياً في حال بقاء الأسد، وهذا ما يخيف الإيرانيين، وقد عبر رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، عن أنه "يجب عدم إغفال ما تفعله تركيا في سورية والعراق".
"
في المقابل، حدد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الخطر في التطرف الإسلامي، وفي مقدمته داعش، وتراجع بشار الأسد عن موقع الأولوية، على الرغم من الممارسات لعمليات القتل التي قام بها، من دون استبعاد بقائه هدفاً بعيد المدى، ما يهدد بإحداث مشكلة داخل التحالف، لا سيما من دول الخليج العربي، وفي مقدمتها، السعودية وقطر، اللتان تشاركان تركيا موقفها بالنسبة لرحيل الرئيس الأسد عن السلطة.
وقد تعرض أوباما الذي يتهمه الجمهوريون، كما الديمقراطيون، بتردده وعدم اتخاذه قرارات حاسمة، بل أنصاف قرارات وإجراءات، بعنوان عدم فتح معارك جديدة ضد الدولة، لانتقاد حاد من وزير الدفاع السابق، ليون بانيتا، الذي رأى أن "أوباما يتصرف كأستاذ جامعي، وليس كرئيس دولة".
وعلى الرغم من أن التهديد بسقوط كوباني يشكل هاجساً للأميركيين، وهو ما استدعى التواصل الدائم بين وزير الخارجية، جون كيري، ونظيره التركي مولود تشاووش أوغلو، وزيارات مرتقبة من منسق التحالف الدولي، الجنرال جون آلن، إلى أنقرة، من أجل طلب المساعدة التركية، خوفا من تأسيس موقع إسلامي استراتيجي في كوباني، بعدما هجروا أكثر 300 ألف كردي، منهم 180 ألفا إلى تركيا، وهو ما أشعل الداخل التركي، أيضاً، عبر صدامات بين الجيش التركي والمؤيدين للأكراد.
لا شك في أن معركة عين العرب تشكل نقطة تحول في الصراع مع داعش، ولا شك، أيضاً، في أن أردوغان يحاول الاستفادة من موقعه القوي حالياً، عبر الحاجة إليه على الأرض، لأنه يعلم أن الضربات الجوية وحدها لا تكفي، من أجل تحقيق شروطه، إن عبر إسقاط الأسد، أو لفرض شروطه على الأكراد في مقابل مساعدتهم. وفي الحالين، ستبقى عين العرب.. على أردوغان.