إعدام معاذ الكساسبة وصعود «داعش» نحو الهاوية

جمعة, 2015-02-06 17:22
د. عبد الحميد صيام

الكثيرون كانوا يتوقعون أن يقوم تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» بإعدام الطيار في سلاح الجو الأردني، معاذ الكساسبة، لكن أحدا، في رأيي، لم يتوقع أن يتم الإعدام بهذه الصورة الهمجية الخارقة لكل تقليد وعادة وخلق وعرف ودين. 
ويكون التنظيم بهذه الفعلة الدنيئة قد تجاوز بربريته السابقة، لينتقل إلى مواقع أكثر همجية وتوحشا وسادية. ويوما عن يوم يقدم هذا التنظيم الأغرب في التاريخ الحديث كل الأسباب ليجعل الناس يكرهونه أكثر وينتظرون هزيمته التي باتت مؤكدة نتيجة حرق كل الجسور مع أي حاضنة شعبية قد تشكل غطاء له. ويوما عن يوم يقدم هذا التنظيم/العصابة كل الأسباب التي تجعل إسرائيل تصفق له وتقول له «هل من مزيد؟». وكل يوم يثبت هذا التنظيم أنه لا يأبه برأي عام، أو علاقات عامة، أو كسب ود أحد أو إعطاء صورة مختلفة عن الصورة التي تقدمها وسائل الإعلام عنه. على العكس تماما إنه يعمل عن سابق إصرار على تبشيع صورته القبيحة أكثر وتقــــديم نفسه على أنه غــير مكترث برأي أحد ويضرب بعرض الحائط بكل ما يمت للعلاقات العامة بصلة. 
إن لسان حال التنظيم يقول «لا أريدكم أن تحترموني بل سأجبركم على أن تخشوني وترتعد فرائصكم حين ينطق اسمي. أريد للأطفال أن يبللوا فراشهم خوفا مني وللنساء أن يرمين أحمالهن من شدة الرعب، وللرجال أن ينهاروا من منظر السيف وهو يحز الرقاب والنار وهي تشوي اللحم الآدمي، وللإعدامات الجماعية عندما يتعلق الأمر بالجنود المستسلمين». فلماذا أقدم تنظيم دولة الموت على فعلته الخسيسة تلك؟

هل من رسائل وراء هذا العمل المشين؟

أعتقد أن «داعش» بإعدامه الطيار الكساسبة بهذه الطريقة الوحشية التي لا يمكن أن تنتمي لجنس البشر، أعد المسرح بعناية فائقة ليرسل مجموعة من الرسائل أولها أن في قاموس هذا العصابة لا يوجد كلمة رحمة أو شفقة أو تردد أو تراخ أو تراجع عن أيديولوجية جز الرؤوس ودحرجتها على طريقة عمرو بن كلثوم «يدهدون الرؤوس كما تدهدي حزاورة بأبطحها الكرينا».
الرسالة الثانية موجهة للعرب من دول التحالف، الذين سيقذف بهم في المقدمة لمواجهة التنظيم. عقابهم مختلف.. فبالنسبة لـ»داعش» من يقاتلهم من المسلمـــين فهو مرتد يجب قتله والتمثيل به، ومن يقاتلهم من غير المسلمين فهم كفار يجب قتلهم والنتيجة أنهم ضد العالم بأسره، إلا من بايعهم واعترف بخليفتهم ودولتهم، وانضم إلى صفوفهم ليعلن «السمع والطاعة» فقط. يريدون أن يقولوا إنهم سيكونون أكثر غلاظة وشراسة مع من تسول له نفسه من العرب المسلمين أن يقاتلهم، خاصة من الطائفة السنية التي يدعون تمثيلها والوقوف مع مصالحها والعمل على قهر أعدائها.
والرسالة الثالثة من نصيب دول التحالف مفادها، أن معركتكم معنا طويلة وستكون معركة قاسية دموية لا مكان فيها للعواطف والتراخي. فإذا كانت معركة استرجاع عين العرب استغرقت خمسة أشهر فكيف سيكون الحال في الرقة ودير الزور والموصل. ستجدون جنودكم أسرى لدينا وأنتم تعرفون مصير الجندي الذي يقع بين أيدينا. 
والرسالة الرابعة تريد أن تؤكد أنهم قوم يعيشون في العصر الحديث لا في عصور الجاهلية. فلديهم من السلاح الحديث ما يتصيد الطائرات. وهم يتقنون فن التصوير والإخراج، ويستخدمون التكنولوجيا الحديثة ويعرفون قيمة مواقع التواصل الاجتماعي، ويعرفون كم يترك هذا الشريط من أثر على الشعوب وعلى الأمهات وعلى الزوجات والبنات والأولاد، الذين لا يريدون لأحبتهم أن يقعوا بين يديّ هذا التنظيم، الذي يفتخر بهمجيته. يعتقدون أن مثل هذا الشريط سيردع الآلاف ممن يفكرون بالانضمام للتحالف. وكأنهم يخاطبون الشباب العربي المسلم ليقولوا لهم ابتعدوا عن ميدان المعركة واتركونا نخوضها مع أعداء الدين، وإلا ستواجهون مصير الكساسبة نفسه. ويبدو أن هذه الرسالة وصلت إلى بعض أعضاء التحالف الذين قرروا تعليق مشاركتهم في الحملات الجوية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
لكن الرسالة التي نقرأها نحن من هذا الفعل المشين، أن التنظيم بدأ يفقد توازنه ويحس بأن نهايته ليست بعيدة، بعد أن أصبحت الدنيا كلها أعداء له. بدأ يتراجع أمام الضربات الجوية والقتال على أكثر من جبهة. بدأ يفقد السيطرة على القرى والجبال والمواقع العديدة، وكانت معارك عين العرب الطويلة قد أنهكت التنظيم وأصبح في موقع أضعف بكثير من ذي قبل. 
يبدو أن الحصار الشامل على التنظيم من كل الجهات وتدمير منشآت النفط التي كانت تعتبر مصادر دخل رئيسية، وتعدد الجبهات التي تجبر التنظيم على التمدد في بقعة جغرافية واسعة جدا، وتكثيف غارات التحالف قد بدأ ينهك التنظيم. ولا يكاد يمر يوم بدون أن تسمع عن استعادة قرية أو بلدة في العراق. كما أن المعارضة السورية التي تضرب في التنظيم من خطوطه الخلفية في سوريا مثل الجيش الإسلامي والجيش الحر قد أصابت التنظيم بنوع من الوهن يغطي عليه بهذه البشاعة في الانتقام. إلا أن وقت هزيمته لم يأت بعد لأسباب عديدة، لأنه يستخدم المدنيين غطاء يحتمي بهم من جهة، ومن جهة أخرى يجبر الشباب على الانضمام له، وإلا يتم إعدامهم كما فعلوا مع عشيرة البونمر في الأنبار عندما أعدموا جهارا نهارا 200 من شباب وفتيان العشيرة، كما أعدموا أعدادا من شباب عشيرة الجبور في محافظة صلاح الدين.

إشكالية المعركة الأرضية

من المسلم به في العلوم العسكرية أن الحروب تحسم على الأرض، وأن الغارات الجوية تنهك وتضعف وتدمر وتمهد، لكنها لا تحتل ولا تحرر. القوات الأرضية هي التي تحرر وتطرد الغزاة، وهي التي تحتل المواقع وتطهرها، وهي التي تتقدم نحو خطوط العدو التي أنهكتها الغارات الجوية. الولايات المتحدة تعرف هذا وكذلك كل من الأردن والعراق وبقية دول التحالف التي تشارك في غالبيتها مشاركة رمزية. 
أعدت الولايات المتحدة خطة لشن هجوم في بداية فصل الربيع لتحرير الموصل، بحيث تلعب القوات الخاصة الأردنية ذات التدريب العالي والكفاءة الرفيعة دورا رئيسيا إلى جانب القوات العراقية، وقوات البيشمركة الكردية، وبعض قوات الحشد الشعبي التي في غالبيتها شيعية. وكانت الخطة، كما كشفت المصادر هنا، أن تحرير الموصل سيعقبه التوجه نحو الرقة التي تعتبر عاصمة «أمر واقع» لتنظيم «الدولة الإسلامية». لكن الأمور لم تسر كما كان يجب. فقد تراجع الأردن على الأقل مؤقتا بعد أسر الطيار، وجعل جوهر سياسته في المرحلة السابقة كيفية الإفراج عنه. وقد أعلن في واشنطن أن عملية الربيع ضد «داعش» ستؤجل إلى الصيف لأن تجهيز القوات والاستعدادات والتدريبات غير مكتملة، ولذلك لا نتوقع اختراقا لمسألة تحرير الموصل قبل الصيف القادم. ويبدو أن الأردن بعد إعدام الكساسبة أصبح أكثر استعدادا للمشاركة في الهجوم الأرضي على التنظيم في الموصل، في حالة تم تجهيز قوات أرضية ذات كفاءة عالية وتسليح جيد. ويقوم الآن ضباط أردنيون وأمريكيون بتدريب قوات عراقية يصل عددها إلى نحو 70000 مقاتل ستلعب دور رأس الحربة في عملية تحرير الموصل.

الرد الأردني الأولي: إعدام الريشاوي والكربولي

في الوقت الذي كان يعيش الأردن بكامله حالة من الصدمة والغضب والحزن والقهر على إعدام الشاب الطيار ابن الـ26 بهذه الطريقة الهمجية بعد تجويعه لمدة خمسة أيام متتاليه كما أفتى أحد شيوخهم بأن «يموت جوعا وخرقا» قامت السلطات الأردنية وكنوع من التشفي بتنفيذ أحكام الإعدام ضد كل من ساجدة الريشاوي وزياد كربولي المحكمومين بالإعدام من قبل. وقال الناطق باسم وزارة الداخلية إن هذا الإعدام رسالة وليس ردا. 
ولا أستطيع أن أهضم الرد على الإعدام بالإعدام. فالإعدام لم يحل أي مشكلة في أي بلد، لا في الماضي ولا في الحاضر، وقد بدأت معظم دول العالم تتخلى عن حكم الإعدام. فمن الناحية المبدئية أتمنى أن ينتهي حكم الإعدام في بلادنا العربية، كما هو الحال في نحو 131 بلدا. والخريطة العالمية لتنفيذ حكم الإعدام الآن تبدو كالتالي:
ـ هناك 100 دولة لا تمارس الإعدام بالمطلق 
ـ هناك 7 دول أبقت على حق تنفيذ الإعدام في حالات الضرورة القصوى وفي حالات الحرب فقط.
ـ هناك 42 دولة تجيز حكم الإعدام قانونا، لكنها لم تطبقه على الإطلاق في آخر 10 سنوات.
ـ وهناك 42 ما زالت تطـــــبق حكم الإعـــدام وتجــــيزه من الناحية القانونية، وقد ثبت بالأرقام والدلائل القاطعة أن الإعدام لا يردع ولا ينهي الجريمة ولا يقتلع الإرهاب. 
ولذلك كنت أتمنى لو لم يكن الرد الفوري بهذه الطريقة وكان من الممكن أن تحافظ السلطات الأردنية على قدر أكبر من التروي ودراسة الأمور والبحث عن ردود مزلزلة تهز التنظيم وبنيانه، لا العودة إلى الداخل وتنفيذ حكم إعدام في من هم بحكم الأموات وهم أحياء. 
إن التعالي على الجراح وتمتين الموقف الداخلي والخروج بقرارات أكثر فاعلية في رأيي رد أفضل بكثير من الإعدامات التي قد تولد مزيدا من الغضب والقهر.
قدر هذه الأمة أن تقدم الشهداء ضد أعداء الأمة التاريخيين وحلفائهم المحليين، وما ينبثق عن الفكر المتطرف من تجليات قبيحة تستخدم الخوف والرعب لتقويض ما تبقى من كيانات عربية في هذه المنطقة تحت غطاء الإسلام، حسب الطبعة الداعشية. الطيار الشهيد قضى وهو يضرب بؤر الإرهاب… والطيار فراس العجلوني استشهد على أيدي الكيان الغاصب الرابض على كرامة العرب جميعا، والطيار جول جمال استشهد وهو يدافع عن مصر أثناء العدوان الثلاثي. ورحمة الله على كل شهداء الأمة وبالتأكيد لن يكون الشهيد معاذ كساسبة آخرهم.