المخابرات

اثنين, 2015-02-09 01:24
أبو العباس ابرهام

لقد بولِغَ كثيراً في قوة المخابرات. وليست المخابرات في الذهن العربي الحديث غير علمنة لمفهوم "الجن". وقد اعتقد مجانين العرب أن الجِّن هم درك الدنيا، يتجولون بالليل ويرسلون الصّواعِقَ على التُّعساء. وفي صحرائنا يمكن دوماً الإشارة إلى ضحايا الجن، فهذا الأحنك قد "صفعته الجِّن" أما هذا الأخرق فـ"فيه أهل الخلاء". أما ذلك الأنوك فهو "مُبدّل": طبعاً استبدله الجن.

ومع العصر الحديث تقلّصت صلاحيات الجن. ولم يعودوا يُشاهدون إلاّ في موقع "دقّة". وأصبحت الملكية العقارية للدولة ولم يعد الجن هم "أهل الخلاء". لأن الخلاء أصبح مؤمماً. ولم يعد يوجد من "أهل الخلاء" غير رئيس الجمهوية وحرمه وأبنائه وبعض أصدقائه المقربين.

وكان لهذا نتائج كارثية سياسياً، فقد أُسبِغَ مفهوم الجِّن على المخابرات. وهو إسباع صادقٌ فقط بالنظر إلى الأشكال. ففي الحقيقة كان رجل المخابرات الموريتاني أشعث مُفلفلاً حافياً يشكي من تأخُّرِ الراتب يُطارِدُه الدّائنون ويختفي عن الأنظار بسرعة كأنّه سنجاب. ولم تستطع المخابرات الموريتانية التّحديث ليكون أعيانُها من نوعِ جايمس بوند (باستثناء اعلي ولد محمد فال طبعاً)، بل كان أغلبُ رجالها من الجّمالة (والحّمالة) ولبجاويين والحوذيين والخصافين الذين يسترقون السّمع ويُرسلونه.

وقد سُئِل عالِمٌ من أهل الصّحراء عن مدى قوة الجن. وجوابه مُصادر في تاريخ الصّحراء. فقد قال إن أقصى ما يُمكن للجن فعله هو تعثير شخص أو فتل خيمة أو سكبُ قدحٍ من الزّريق. وهذا ينطبقُ أيضاً على ورثة الجن: المخابرات. كانت أقصى قوتِهم هي سجن خصومِ الدّولة لإعطائهم سمعة نضالية على حساب منافسيهم ورفاق دربِهم أو الترخيص لهم ومنع الترخيص عن أعدائِهم، الخطرين على الدّولة/الحكومة. وكانت المُخابرات تنفِّذُ خططها بالإعلام ونشر الأخبار وتسريبِها من أجل غايات سياسية. وقد استخدمت : الصُّحف والسجن والتراخيص والغرام والشاي والانشقاقات والدَّين والدِّين وصناعة الاستقطابات في المُعارضة عن طريق الإعلام والإغراء بالمناصب وشِراء الشباب.

ولم تخلق المخابرات شخصاً واحداًمن عدم لأنّها لا تمتلك كفاءات بيغمالونية. ولكنّها كانت تُيسِّرُ وتُقصِّرُ بعض المسارات السياسية عن طريق تأمينها وإعطائها الفرص وكان تُعثِّرُ مسارات أخرى عن طريق وضع الأحجار والبِرَكْ في طريقها. وهكذا غلّبت المخابرات الاتجاهات "المُعتدِلة" في أعداء الدّولة على الاتجاهات الراديكالية.

من صفحة الكاتب على الفيس بوك