المخابرات البريطانية سعت لتجنيد جاسوس من كوريا الشمالية

ثلاثاء, 2015-02-24 12:31

تكشف وثائق استخباراتية مسربة حصلت عليها وحدة الصحافة الاستقصائية في شبكة الجزيرة كيف سعى جهاز المخابرات البريطاني (إم آي 6) لتجنيد عميل من كوريا الشمالية، عارضاً عليه "علاقة سرية طويلة المدى مقابل دفعات مالية". 

وتظهر برقية دمغت بعبارة "سري لاطلاع أشخاص بريطانيين وجنوب أفريقيين فقط لا غير" كيف أن جهاز (إم آي 6)، الذي يشار إليه رسمياً باسم جهاز المخابرات السري إس آي إس، طلب المساعدة من جهاز الأمن القومي في جنوب أفريقيا (إس إس إيه) لتنفيذ "عملية مشتركة". 

وكان الهدف من العملية هو تجنيد جاسوس داخل نظام صناعة القرار المقفل في كوريا الشمالية، ولضمان نجاح ذلك احتاج جهاز (إم آي 6) إلى مساعدة جنوب أفريقيا. 

جاء في البرقية البريطانية إننا "نطلب دعمكم لمساعدة ضابطنا"، وذلك أن ذلك الضابط، وهو عميل (إم آي 6)، سيناط به القيام باعتراض الشخص الكوري الشمالي حينما يتوقف في الترانزيت للانتقال من طائرة إلى أخرى "وإقناعه بقبول الدخول في علاقة طويلة المدى مع جهاز (إس آي إس)". 

وقال جهاز (إم آي 6) إن المطلوب من جهاز مخابرات جنوب أفريقيا هو "توفير مراقبة سرية للتعرف على )س( حال وصوله" والقيام "بترتيب إقامته في منزل آمن بينما يقوم ضابطنا بالتواصل معه". 

كما طالب جهاز المخابرات البريطاني بأن "تقوم جنوب أفريقيا بالمراقبة الحثيثة لضمان ألا يتعرض ضابط (إم آي 6) وهدفه الكوري الشمالي لأي إزعاج من قبل أحد من زملائه، مع التأكيد على ضرورة ألا يكون دور السلطات في جنوب أفريقيا ظاهراً للهدف، وسيبدو ضابطنا كما لو كان يعمل وحده". 

الهدف الكوري الشمالي أبدى موافقة مبدئية للعمل مع البريطانيين ولم يسمعوا منه ثانية (الجزيرة)

هدف كوري شمالي
زود جهاز (إم آي 6) نظراءه في جنوب أفريقيا بمعلومات حول هوية الهدف الكوري الشمالي، والذي تعمدت الجزيرة عدم الإعلان عنها حفاظاً على سلامته، وكذلك معلومات حول وظيفته ومهنته وتاريخه وتفاصيل خطط سفره وتنقله بما في ذلك أرقام الرحلات الجوية التي سيكون فيها. 

كما تكشف البرقية السرية عن أن ضابط (إم آي 6) كان قد تواصل مع الهدف قبل ذلك بعام وعقد معه اجتماعاً استمر لساعتين وعرض عليه كمية من المال لم يعلن عن قيمتها مقابل "علاقة سرية طويلة المدى".

ورتب جهاز (إم آي 6) رقم هاتف خاص يمكن للرجل أن يتواصل من خلاله مع جهاز المخابرات البريطاني حينما يقرر ما إذا كان يرغب في التجسس على حكومته. 

وكان الهدف قد "صرح بأنه يسعده الاجتماع تارة أخرى بالضابط البريطاني في ظروف مأمونة" حسبما ذكرته (إم آي 6) التي أضافت "ولكن مضى عام كامل ولم نسمع منه". 

وأنهى جواسيس بريطانيا طلبهم بالتوضيح لنظرائهم في جنوب أفريقيا بأنهم يعتبرون هذه "فرصة غير اعتيادية يمكن إن نجحت أن تساعد بشكل كبير في جهودنا المستمرة للحصول على معلومات حول نشاطات كوريا الشمالية في مجال انتشار السلاح". 

وأنهى (إم آي 6) برقيته بالقول: شكراً جزيلاً لكم على تعاونكم المستمر معنا في العمل على هذا الهدف، وهو التعاون الذي نأمل أن يتنامى أكثر وأكثر في المستقبل. 

ولم تكشف البرقيات الجاسوسية إن كانت جنوب أفريقيا قد وافقت على منح المساعدة المطلوبة وإن كانت العملية قد مضت قدما أم لا، كما لم توضح ما إذا كان الهدف قد قبل العرض الثاني من بريطانيا. 

عادة لا يناقش (إم آي 6) ولا الحكومة البريطانية النشاطات التي يقوم بها ولا يعلن عن شيء منها، ولذلك تتيح برقيات التجسس فرصة نادرة لمعرفة شيء عن عمليات الجهاز.

بريطانيا سعت جاهدة لتجنيد هدف كوري شمالي رفيع المستوى (الجزيرة)

رشوة
تسلط البرقيات الضوء على تفاصيل استخدام أموال دافعي الضرائب البريطانيين بشكل فعال في رشوة المسؤولين الأجانب لكي يتجسسوا على حكوماتهم لصالح بريطانيا.

وكانت بريطانيا قد أجازت قانوناً عام 2010 يعتبر رشوة المسؤولين الأجانب عملاً غير قانوني، إلا أن مادة في القانون أعفت أجهزة المخابرات من ذلك. أجيز القانون في نهاية المطاف رغم مقاومة النواب الذين حذروا من أنه لا يوجد "دليل مقنع" على أن الجواسيس بحاجة إلى حق قانوني لرشوة الآخرين. نقض رأي النواب أعضاء لجنة الصياغة، واليوم لا تزال أجهزة المخابرات البريطانية فوق القانون.

وفي هذه الحالة، يبدو أن جهاز (إم آي 6) يعرض دفع الأموال دون ضمانات كافية بأن ذلك سيدر عليه معلومات حقيقية من المصدر الذي يتم تجنيده.

يذكر في هذا الصدد أن الرواية الشهيرة "رجلنا الذي في هافانا" لمؤلفها غراهام غرين تحكي قصة وهمية لرجل أعمال في كوبا اسمه جيم ويرمهولد قبل عرضاً من جهاز (إم آي 6) "بإقامة علاقة سرية طويلة المدى مقابل المال".

ولكن، بدلاً من تزويد الجهاز بمعلومات حقيقية أخذ الأموال واخترع معلومات كاذبة، ومن ذلك أنه سلم عميل جهاز (إم آي 6) الذي كان يتواصل معه مخططات لآلة تنظيف للسجاد (بالشفط) مدعياً زوراً بأنها "مخططات" لسلاح ما.

ليس واضحاً ما إذا كانت عملية تجنيد عميل من كوريا الشمالية قد أجيزت من قبل مسؤولين في الحكومة أو من قبل وزراء فيها، ولا يعلم ما إذا كان ثمة تقييم قبل أو بعد العملية لتحديد ما إذا كان ذلك استخداماً صحيحاً لأموال الشعب.

في العادة تناط بوزير الخارجية في المملكة المتحدة مهمة إجازة العمليات الأكثر خطورة ضمن نشاطات جهاز (إم آي 6)، بينما تحال العمليات الأخرى على بعض المسؤولين الكبار في وزارة الخارجية. 

ثمة إشراف على أجهزة المخابرات البريطانية تمارسه لجنة برلمانية بالتعاون مع ثلاثة مكاتب أخرى ذات خلفية قضائية وخبرات معينة. 

إلا أن بعض أعضاء البرلمان والنشطاء السياسيين يقولون بأن النظام بوضعه الحالي لا يوفر إجراءات رقابية كافية للإشراف على عمل جواسيس بريطانيا الذين بات بإمكانهم العمل بعيداً عن أي محاسبة تكفي لتقييم ما إذا كانت أعمالهم قانونية أو ما إذا كانت تخدم الصالح العام. 

وقد طالب هؤلاء بإعادة نظر شاملة في نظام الإشراف الحالي.

الجزيرة.نت