«عزيــــزة المصريــــــة»

جمعة, 2015-02-27 00:22
د‏.‏ أماني قنديل

اسمها عزيزة، وهي اسم علي مسمي، فقد كانت رحمها الله، عزيزة علينا جميعا، نحترمها ونقدر تماما دورها الريادي العظيم في مجال العمل التطوعي، كانت «مصريتها» عزيزة عليها جدا،

 

 لم تتاجر يوما باسمها أو بجهودها أو مبادراتها التطوعية.. ولم تنخرط في العمل السياسي لصالح أحزاب أو قوي سياسية أو نظام. امتلكت السيدة الفاضلة عزيزة حسين رحمها الله ـ رؤية ثاقبة وواضحة تحدد لها توجهاتها، أول معالمها مصلحة مصر، وثاني هذه المعالم الفئات المهمشة من نساء وأطفال في كل محافظات مصر.. ومن ثم فإن تاريخها الشخصي عبر مسيرة حياتها (96 عاما)، قد عبرت بوضوح عن عمق انتمائها الوطني وعن قضايا تحمست لها منذ مطلع الخمسينيات من القرن العشرين. إن السيدة عزيزة حسين بقيمها وسلوكها ومنهجها في العطاء لا اعتبرها «رائدة العمل الاجتماعي»، كما يحب البعض أن يصفها.. بل اعتبرها «رائدة العطاء الوطني»، ورائدة القيم الوطنية النبيلة التي لم يغيرها الزمان أو المكان.

برحيل السيدة المصرية المحترمة، فقدت مصر واحدة من نجومها الساطعين... لقد كانت السيدة عزيزة حسين رحمة الله عليها، زوجة أول سفير لمصر في العهد الناصري، تم تعيينه في واشنطن، وهو الدكتور أحمد باشا حسين (وزير الشئون الاجتماعية الأسبق)... لم تتفرغ للدعوات والحفلات التي تزخر بها الحياة الدبلوماسية، وإنما اتجهت إلي الأمم المتحدة، لتكون أول امرأة عربية يتم ترشيحها للجنة المرأة بمنظمة الأمم المتحدة، وتم انتخابها عدة مرات لرئاسة الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة، ومن ثم كانت من أول المدافعين عن حقوق المرأة من منطلق إنساني وعالمي ـ وكانت أيضا من الريادات العالمية والوطنية التي وضعت قضية تنظيم الأسرة علي أجندة الاهتمام، وقادت أولي الجمعيات المصرية التي تخاطب قضية السكان (جمعية القاهرة لتنظيم الأسرة)، وكان في قلب اهتماماتها حقوق النساء والأطفال ومحاربة ظاهرة ختان الإناث، والقضاء علي التمييز ضد المرأة، بدايات مبكرة للغاية لتاريخها الوطني المتميز امتدت منذ أربعينيات القرن العشرين وحتي الألفية الثالثة.

 

إن السيدة عزيزة حسين رحمها الله- كافحت وناضلت في صمت لتحقيق قناعاتها في الحياة، ولم «تتاجر» في يوم من الأيام بعملها الحقوقي والتنموي لاستقطاب التمويل الأجنبي، ولم تراهن علي أي نظام سياسي.. لقد كانت تعمل وتستقطب العناصر الطبية المتميزة، وتشكل فرق عمل دون أن تشعر بأنها «قيادة وسلطة».. لقد عملت مع الجميع بالحب والاحترام، ونصب عينيها مصلحة الوطن، لا يمكن إغفال دورها العظيم في عقد«مؤتمر القاهرة للسكان»، أحد أهم المؤتمرات العالمية في التسعينيات من القرن العشرين، وذلك في سلسلة المؤتمرات العالمية التي كان يستعد بها العالم للقرن الحادي والعشرين... قبل انعقاد المؤتمر العالمي للسكان (القاهرة ـ 1994) قادت السيدة عزيزة حسين رحمها الله- فريق عمل ضخم يضم الباحثين والخبراء ونشطاء العمل الأهلي، للاستعداد للمؤتمر المذكور.. وقد كان لي شرف أن أكون أحد أعضاء الفريق التحضيري لمنتدي المنظمات غير الحكومية، والذي يعقد بالتوازي مع مؤتمر الحكومات.. لقد كانت هذه المرأة العظيمة تجوب كل محافظات مصر، وتعقد لقاءات منظمة وباحترافية شديدة- مع ممثلي المنظمات الأهلية المعنية بالنساء، والأطفال، والصحة الإنجابية، والمنظمات الحقوقية... عملية «استقطاب منظم» للعناصر القيادية الواعية المتطوعة، التي ستشارك عن وعي وقناعة في المؤتمر العالمي للسكان بالقاهرة.. سافرت وآخرون معها عدة مرات فقط، لكنها استمرت في تغطية كل محافظات مصر.. بالطبع تعجبت وآخرون، من قوة تحمل هذه المرأة المصرية المتطوعة، لمشاق السفر والانتقالات والمناقشات في قضايا تمس الثقافة المصرية خاصة في الريف- حين كان الحديث يمتد في هذه اللحظة الزمنية (مع مطلع التسعينيات) إلي مخاطر ختان الإناث، وإلي حقوق المرأة، وإلي الحد من زيادة السكان، لتمكين الأجيال الجديدة من الحياة بكرامة...

 

استمرت السيدة الفاضلة العزيزة علينا جميعا، تعمل بشكل تطوعي بطاقة كبيرة تتجدد مع شعورها بفرحة العطاء، وإذا كان البعض يفسر طاقة العطاء هذه بكونها لم تنجب، إلا أنني أقول إن الأمومة ليست بالإنجاب الفسيولوجي، وإنما بتفجير الحب وطاقة العطاء لتمتد إلي كل من حولنا. إن السيدة عزيزة حسين رحمها الله ـ قد أنجبت أجيالا وزرعت فينا جميعا قيما أصيلة، وعلمتنا كيف نعيش ونتكيف مع الحياة إذا امتد بنا العمر طويلا.. علمتنا صفاء الروح وصفاء الابتسامة، حتي لحظاتها الأخيرة، وداعا يا عزيزة المصريين، فأنت فعلا عزيزة علينا جميعا.