أبو العباس إبرهام: ذكاء/غباء داعش

اثنين, 2015-03-02 20:24
الكاتب أبو العباس إبرهام

ظهر حرافيش داعش (بالإعتذار من مُتابعينا الداعشيين، إيماناً أو بيعةً) وهم ينهالون بحماس المتعصب وتوقدِّه على تماثيل أثرية (نظرياً)، شانِّين معركتهم المتأخِّرة زمنياً ضدّ هُبل، مُكسِّرين ما يعتقدون، أو على الأقل ما يوحون بأنّه، أعمال أشورية في الموصل.

وبطبيعة الحال فإن العالم السّاذج صدّقَ الدّواعش. لقد رأى القوميون العرب أنّ داعش تكشف عن وجهها بتدمير البعد التاريخي للقومية التاريخية، بل وتتحالف مع الصهيونية، التي هي حركة قومية تنتقم تاريخياً من الآشوريين. أما النُّكوصيّة المحدَثة فقد كانت مقنعة، هذه المرّة على الأقّل، قائِلةً إن جيل الصّحابة والإمبراطوريات الإسلامية لم تدمِّر هذه الآثار. أما الدواعش الاجتماعيون فقد استيقظ عقلهم الباطن ووجد لذةً رسالاتيّة في هيستيريا تدمير "الأصنام".

هنا يكمن ذكاء داعش. لقد خلقت نقاشاً حول حماسِها الديني. وحتى الإرتكاسية لم تستطِع الهروب من أن معاداة التماثيل هي إرث إسلامي (على الأقلّ خطابياً). وهنا وجدت داعش منفذاً شرعياً.

ولكن هنا يكمن غباء داعش أيضاً: لم تُدمِّر داعش قطعة أثرية واحدة (أو دمرّت قطعة أثرية واحدة فقط) أما الباقي فكان مجسمات مصنوعة من الجبس الركيك ومن الآجر والصلصال الرّخيص صُنعت حديثاً لمماثلة الآثار الصّخرية القديمة. إذن: كان الدّاعشيون جهلاء لحدّ الحماقة عندما كانوا يُحاربون مجسمات الجِبس؛ وكانوا يبدون كعمالقة ناقصي الذّكاء وهم يمزِّقون نموراً من ورق.

والآن إليكم دهاء الدواعش: إنّهم لا يُعادون الآثار. لقد أظهرت التّحريات الصحفية أنّهم باعوا أكثر من مائة قطعة أثرية لمهربي الآثار ولصوصِها الغربيين وأخذوا عمولاتهم لقاءها. إن داعش هي جزء من الاقتصاد العالمي، ولكن من جانبه التّحتي: جانبه التّهريبي. يمكن للدين أن يُشرِّعَ هذا الاقتصاد "اللاشرعي"، ولكن فقط بمحدودية. والصفقة هنا صفقة آشورية: قدِّم القرابين الرّخيصة للآلهة وخُذْ القرابين الغنيّة لنفسك.

مرةً أخرى انتصر آشور بانيبال على داعش. ليس هذا صعباً.

نقلا عن صفحة الكاتب على الفيس بوك