بطاقة التعريف اللامرغوب فيها

أربعاء, 2015-03-04 13:40
علي الدمين

 حتى هذه اللّحظة مازالت بطاقة تعريفي الوطنيّة بحوزة الإدراة المعنية، ولا أرى أني سأسحبها في قابلِ الأيام. مِثلي في ذلك الحال آلاف البشر المُنتمين لهذا الحيّز التُرابي المُنهك بداء الفساد والتعسكر .

أنا هُنا في عدم سحبي لها أمتنع كعاصٍ يعي سوء الوضع، لكن. الأمر قدراً ما يختلفُ معهم هم، فغالبيتهم لايمتلكُ حتى المبلغ الذي يُمكنه من سحبها.
لكني، وإذْ أستعيضُ بدلاً منها بورقة تثبيت للهويّة، تتضمن المعلومات الشخصيّة الأولية، على ضوء شهادة الميلاد المُعتمدة. سعياً لتفادي الاعتقال أو ماشابهه من أمور كثيراً مامارسها جِهازنا الأمني الأبله على نحوٍ يحتقر المُواطن المظلوم، فأنا لا أفكر أبداً في سحبها بالأيام القادمة، أو لِنقل: الشهور القادمة.

بالنّسبة للمواطن البسيط. أي مُواطن؟. يعيشُ يومه بالكدح النّكِد جرياً وراء لُقمة العيش ومايُلازمها من أشياء الحياة المُوفِرّة لفرصة عيشٍ كريم. كالمسكن، التعليم. الصحة. تلك الحقوق الشرعية الواجبة له، و التي لم توّفرها الدولة بنِظامها الفاسد، فإنه من العبث الجنوني تخيصيص مبلغ 2500 أوقية لأجل هذه المسألة: سحب البطاقة التعريفية؛ السبب في ذلك بسيط جداً. وهو أنّه لايجبُ التصرف على نحوٍ يفتقرُ للحكمة. خاصة إنْ كان ذلك المُواطن سبق وأن جرّب الوضع الكارثي فيما مضى. ليدرك أن لافرق، وليكن تشريفياً تُضيفه هذه البطاقة المُستطيلة الشكل على نحوٍ مُصغر. حقا إنّه العبث في حقيقته. إن المبلغ الذي سأدفعه بُغية الحصول عليها يُمكنني من توفير الغذاء الضروري لأسرتي في يومٍ من أيامها البائسة. دون أن أتذوّق المرارة الواجب عليّ تفاديها قبلياً.

مِثل ذلك الأمر، الصعود الجنوني المُوازي له في إقتناء الباسبورات، والذي فسرّه أحدهم بشكلٍ طريف حين قال بأنّ النّظام قرّره سعياً للتقليل من حالات الهجرة المُتنامية وسط الشعب، والتي تدّل على تردّي الأوضاع المعيشية للسكان. أو هُو كما يقول آخر بنفس النبرة: مُحاولة تغطية على الفراغ الذي تعيشيه الخزينة الوطنية. بمُمارسة تفقير المواطن أكثر، ويعمدُ صديقي ذاك إلى موضوع النفط الفضائحي المُثير للجدل، إذ أن النفط نقصَ سِعره في العالم أجمع إلا عندنا، والسبب كما يقول هو أنّ الحكومة تسعى للتغطية على عجزٍ في الميزانية بتفقير جيب المُواطن العادي أكثر!

هذا الوطن لم يُقدّم شيئاً يُذكر لمُواطنيه المُهمشين، أي شيء؟ حتى الحقوق الشرعيّة الواجب حِفظها على نحوٍ كامل لايفتقد للتجزئة، والشوائب المُنبهة على حالة فساد. يشملُ ذلك كل الأجيال، حتى جيلي المتأخر، والذي تربى بشكلٍ نِظامي على ترديد الأناشيد الوطنيّة، ورفع العلم الوطني بصدقٍ كبير.

صديقي المُستبشر بالخير يقول أنّ الأمر لايتعلقُ بالوطن. إذْ أني -كما يقول- أظلمه في هذه. حسناً. هذا أمرٌ جيّد، لكن متى كان الوطن كحاضر ذا خاصيّة وجدانية عظيمة لدى المُنتمين إليه ينفصلُ عن القائمين على شأنه الخاص. إننا للحقيقة نكادُ لانجد فصلاً بيّناً. فالقائمين هم المشكل الأول. وهُنا فإني بالضرورة أعني النّظام العسكراتي الحالي والقائمين على أجهزته من المُنتمين له.

إنّ وطننا الحاضر يتدهور بخطورة. على نحوٍ يبعث على التشاؤم والحزن المُوجبين بالضرورة للتعزيّة الخاصة لكل المُنتمين إليه، من الصادقين المُستشعرين للوضع في حقيقته الجحيمية الأولى. أولئك الذين لم يصبهم مرض العمى .

لتحرروا وطنكم يا أبناء وطني الخُلّص. لتحرروه قبل شُمولية التدهور الخطيرة، وقبل أن ينعدم من بين أيديكم، حتى في أمُوره الصُغرى المُرتطبة به كذكرى.
ذلك أول واجب له عليكم، فهو لايمنحُ حتى يأخذ، وتحريره هُنا مُرتبطُ بالثورة على من ربطوه حصراً ببعض مئات الأواقي، كالعسكر، رجال الأعمال...إلخ.

نقلا عن مدونة الكاتب