"أثينا العثمانية" في معرض يحوي أعمالا فنية وخرائط وعملات ومخطوطات وصورا وكتبا تعود لحقبة الحكم العثماني التي استمرت من القرن 14 وحتى القرن 18، كانت خلالها أثينا مجرد قرية فيها بضعة آلاف من المسيحيين والمسلمين واليهود عاشوا في تسامح.
شادي الأيوبي-أثينا
تستضيف مكتبة "ييناذيوس" التابعة للمدرسة الأميركية للعلوم الكلاسيكية معرضاً بعنوان "أثينا العثمانية" وذلك بالتعاون مع متاحف ومكتبات من أثينا وإسطنبول.
ويضم المعرض، الذي يستمر حتى 30 يونيو/حزيران المقبل، أعمالا فنية وخرائط وعملات ومخطوطات وصورا وكتبا لرحالة غربيين زاروا أثينا ورسموا معالمها خلال فترة الحكم العثماني، مما يعطي صورة واضحة عن تلك الفترة من حياة المدينة.
ويبدو من المخطوطات أن منطقة البازار التجارية كانت قلب أثينا النابض، حيث كانت تباع منتجات مثل الزيت والعسل والحرير والشموع والصابون، مشكّلة بذلك عصب الحياة الاقتصادية للمدينة الصغيرة.
تسامح ديني
وتوضح مديرة المكتبة ماريا يورغوبولو للجزيرة نت أن كثيرين لا يعلمون أن أثينا العثمانية كانت تشهد تسامحا دينيا عاش فيه المسلمون والمسيحيون واليهود جنبا إلى جنب.
وقالت إن المعرض يحاول شرح ذلك، خاصة أن أثينا شهدت وتشهد تغيرات كبيرة خلال السنوات الأخيرة تزيد من أهمية المعرض، لا سيما إقامة أعداد كبيرة من الأجانب فيها، منوهة بالترحيب الإعلامي والإقبال الذي حظي به.
وأشارت إلى أن الرحّالة الغربيين أعطوا صورة جيدة عن جغرافية أثينا وحياة أهلها في تلك الفترة، مضيفة أن المدينة اشتهرت بإنتاج الزيت والعسل، كما اشتهرت بصناعة الخزفيات، بينما عرف أهلها التدخين وشرب القهوة وارتياد الحمامات العثمانية للنقاهة.
وأضافت يورغوبولو "من المؤكد أنه كانت هناك علاقات بين مكونات مجتمع أثينا آنذاك، حيث كانت زيجات مشتركة واختلاط لغوي لا يزال واضحا حتى اليوم، كما كان بازار أثينا أحد أبرز أماكن العمل المشترك بين الجميع حيث كانت المدينة أشبه بقرية صغيرة".
ونوهت إلى ميل اليونانيين في القرن التاسع عشر إلى القومية اليونانية عبر تيارات دعت إلى حماية الآثار اليونانية القديمة من السرقة كأحد تداعيات الثورة الفرنسية، وهو ما كان مضادا للدولة العثمانية.
الحريم السلطاني
ويقول أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة ذيموكريتو في طراقيا الغربية ماركو ميوتو إن أثينا خضعت للحكم العثماني بين أعوام 1458 و1821 وكانت تتبع إسطنبول إداريا، وتعتبر من ممتلكات حريم السلطان، مما أعطاها امتيازات حمتها من تعديات قام بها ولاة عثمانيون في مناطق أخرى.
وأضاف "كان بوسع أهل أثينا اللجوء مباشرة إلى المسؤول عن إدارة المناطق التابعة للحريم السلطاني وغيره من المسؤولين العثمانيين، وقويت امتيازاتهم بعد عام 1610 وحتى النصف الثاني من القرن الثامن عشر، لكن فترة حكم علي آغا حسيكي (1775-1795) شهدت مظالم بحق الأثينيين مسلمين ومسيحيين".
ويقول الأكاديمي الإيطالي إن مسلمين سكنوا أثينا بعد فتحها، حيث بنيت أول المساجد فيها وكان أولها مسجد أقيم في معبد البارثينون وسط قلعة أكروبوليس عام 1458، كما أقيم في الفترة نفسها مسجد الفتح الذي لا يزال موجودا حتى اليوم.
وشكل المسلمون، حسب ميوتو، ربع سكان أثينا الذين لم يتجاوزوا طوال فترة الحكم العثماني عشرة آلاف شخص، كما شهدت أثينا آنذاك قدوم أسر ألبانية مسيحية من منطقة إيبيروس في شمال غرب اليونان، وعرفوا باسم "أرفانيتيس".
المسيحيون أحرار
وحسب قنصل فرنسي، فقد كان في المدينة نهايات القرن السابع عشر 2053 منزلا، منها 1300 لليونانيين و600 للأتراك و150 للألبان و3 للفرنجة.
ويقول ميوتو إن مسيحيي أثينا لم يتعرضوا لسوء المعاملة بسبب ديانتهم، حيث كانوا أهل ذمة وكانوا أحرارا في ممارسة شعائرهم الدينية، مقابل واجبات مثل دفع الجزية، وكانوا ممثلين بمجالس محلية تعنى بأمور الضرائب والمحاكمات والتعليم، بينما كانت قرارات الحاكم العثماني والقضاء تسري في حال حصول خلافات.
ويضيف "خلال الحكم العثماني كانت الكنائس البيزنطية تخضع للترميم، بينما بنيت مائة كنيسة جديدة، وفي المقابل بنى العثمانيون مساجد ومدارس وزوايا وإدارات وحمامات وسبل مياه الشرب".
ويقول ميوتو إن فترة الحكم العثماني كانت عموما فترة هدوء ونظام، وكان النشاط الاقتصادي فيها جيدا ولكنه كان أقل بكثير من مدن البلقان وشرق المتوسط، وهو ما يسري كذلك على الحياة الثقافية.
الجزيرة.نت