الحج بالآيفون

خميس, 2014-10-16 12:17
أبو العباس إبرهام

هذا العام أكثر الحجيج من السيلفي. يجب أن نعترف. ازداد الحج بركن جديد هو ركن تصوير الذات بمنىً أو بالعقبة أو عند البيت الحرام. والمشهد الدائم هو مشهد الحاجٌ المؤتزر بزي الإحرام مطلِقاً ابتسامة كبيرة خلف هاتفة من أمام الكعبة. "آلهة هذا العام من ذهب". وقد حصلت الآيفون والبلاكبيري على دعايات مجانيّة يوم الحج الأكبر. وحتى الفرانس 24 تسائلت: هل التصوير الذاتي بالحج حلال؟

وبطبيعة الحال فإن آل سعود، وهم دواعش مغمسون سبع مرات في الماء البارد، لم يسكتوا عن هذه "البدع". وبدأت المطاوعة تُصادرُ هواتف الحجيج. وكان يُمكن تصوّر أعيان مكة القدماء، أميّة بن عبد الصلت وعبد الله بن جدعان وخويلد بن أسد والوليد بن المغيرة، وهم يقودون شرطة آداب في سوق عُكاظ ضد تدنيسات الأعراب للحج/التجارة. ويمكن تصوّر النابغة الذبياني يُطالب الحواة قرب سرداقه بخفضِ أصواتهم حتى لا يدنسوا استماعه لشعر حسّان بن ثابت والخنساء.

يتوّقعُ المسلمون من الحاج قداسة معيّنة وتعالياً عن أوساخ الحياة الدنيا. وهذا التوقع موجود في معظم الثقافة الشعبية في "بلاد الإسلام". في معظم أقطار المسلمين يتطابق لفظ "الحاج" مع الوقور والصادق والحكيم. وسيُطلَق في القرون اللاحقة لانتشار الإسلام على كل شيخ مُبجّل. وسرعان ما يحصلُ الحاج العائد على عدة امتيازات حِكَمية وتبجيلية. أولاً لا يمكن ردّ طلبه بالدّيْن. ثانياً يكتسب وضعاً تحكيمياً. ويصبحُ تلقائياً من "جماعة المسجد". ويتخلى عن الشغب في المنزل وتتوقّفُ الحرب الأهلية مع زوجته. ويُصبحُ أكثر تسامحاً مع أولاده. أليس "حاجاً"؟

وبطبيعة الحال فإن الموريتانيين لم يعرفوا هذه العادات. وهم من نادر الشعوب الإسلامية التي لا تتداول بالألقاب ولا تُعطي لقب "الحاج" لحجيجها. وتروي النكتة أن سُقراطياً موريتانياً سأل حاجاً عربياً عن سرّ تسميّته بـ"الحاج" فقال: لأنني حججتُ. وعندئذٍ تبسّمَ صاحبنا، الذي سبق له أن حجّ مراراً وتكراراً، قائلاً: في هذه الحالة يمكنك تسميّتي بالحجّاج.

وسقراطنا صاحب نقطة مهمة فبرغم قداسة الحجاج في الثقافة الإسلامية إلاّ أن الحجيج في تاريخ الإسلام لم يفقدوا أبداً جانبهم السياحي على حساب جانبهم القداسي. وكانوا دوماً يؤوبون بعشرات الحكايات والمشاهدات. ولم يكونوا يختلفون كثيراً عن مستشرقي القرن التاسع عشر الذين كانوا يندسون بين الحجيج ليحكوا قصصهم وعجائبهم وغرائبهم. وبعض الحجيج جحاويون حتى. وفي السعودية تُطلقُ صفة "الحجي" على المهذار الثرثار. وفي تركيا الهاجي haci هو المضحك، كثيرُ النكت. وفي موريتانيا "التحاجي" هو الألغاز. إن الحاج ذو السيلفي هو الآخر جزء من الثقافة. إن مطاردة آل سعود له هي القصة إياها: الأصولية تريد فرض نظام مثالي. والمثالية دوماً متوسّطة بالحياة وآلامها وملذاتها ونفعياتها.