فضيحة مدويّة تتناقلها وسائل الإعلام الأميركية حول استخدام وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، بريدها الإلكتروني الشخصي في أثناء توليها منصبها، بدلاً من استخدام البريد الإلكتروني الرسمي لوزارة الخارجية. ومنبع الفضيحة، هنا، لا يتعلق فقط بانتهاك هيلاري القانون الفدرالي الذي ينص على استخدام موظفي الدولة البريد الرسمي وليس الشخصي في ما يتعلق بالمراسلات الحكومية، وإنما، أيضاً، باحتمال أن تكون هيلاري قد أخفت مراسلات خاصة بها، بعيداً عن رقابة الدولة والمجتمع، وهو أمر يعتبر من المحرمات في الدول التي تحترم مواطنيها ورقابتهم على مؤسساتها. فجميع المراسلات الحكومية يتم وضعها في الأرشيف الوطني، ومن حق أي مواطن التقدم بطلب للاطلاع عليها بعد فترة معينة، وبالتالي، هي ليست ملكاً للموظف العام، مهما علا شأنه، وإنما ملكيتها بالأساس للشعب صاحب السيادة. كما أن استخدام البريد الإلكتروني الشخصي يعني الخلط بين الخاص والعام، واحتمال إساءة استخدام المنصب، من أجل تحقيق مصالح ومكاسب شخصية، بعيداً عن الرقابة والمحاسبة من أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني.
ربما تشعر، عزيزي القارئ، بقدر من الاستغراب والتعجب من استخدام كلمة "فضيحة" في وصف ما حدث مع "إيميلات" السيدة كلينتون، بل وربما تراه أمراً عادياً، خصوصاً إذا ما قارنته بالفضائح الكارثية التي لا تتوقف في تسريبات اللواء عباس كامل، مدير مكتب الجنرال عبد الفتاح السيسي. ولربما تشعر، عزيزي القارئ، بقدر من الإحباط والأسى، بسبب ردود الفعل الغاضبة في الأوساط الأميركية تجاه "إيميلات" السيدة كلينتون، خصوصاً وأنها لا تحتل الآن أي منصب رسمي، وتقارن ذلك بحالة "البرود" و"السماجة" واللامبالاة التي يتعاطى بها السيسي ورفاقه في التسريبات، مع ما تحتويه من فضائح وكوارث. ولربما تُصاب، أيضاً، بالصدمة إذا عرفت أن "إيميلات" هيلاري قد تقضي على مستقبلها السياسي، وتطيحها من السباق الرئاسي العام المقبل، وخصوصاً أنها من أقوى المرشحين للفوز بالرئاسة الأميركية، في حين لم تؤد تسريبات "عباس" إلى إقالة أي مسؤول، على الرغم مما تحتويه من مصائب، من شأنها أن تطيح جيلاً كاملاً من الساسة الفاشلين والمتآمرين، على حد سواء. بل على العكس جرت ترقيتهم وتصعيدهم في مناصبهم، مثلما حدث مع وزير الدفاع ورئيس الأركان، ومع عباس نفسه الذي أصبح "كاتم أسرار" الرجل الأول في البلاد. بل ولربما يصيبك، عزيزي القارئ، الذهول حين تعرف أن الذي كشف فضيحة "إيميلات" السيدة كلينتون صحافية مغمورة، تدعي ناتاشا تكو، عندما تقدمت، قبل عام، بطلب لهيلاري كلينتون للاطلاع على المراسلات الخاصة بقضية هجوم بنغازي الذي أودى بحياة السفير الأميركي في ليبيا، كريستوفر ستيفنز، في سبتمبر/أيلول 2012، ولم يتم الرد على طلبها، ما أثار شكوكها، وجعلها تنشر الأمر، ما جذب انتباه السلطات الأميركية، في الوقت الذي تسمع وتشاهد فيه نفراً كبيراً من الصحافيين المصريين الذين ليسوا فقط متورطين بالاسم في تسريبات "عباس كامل"، وإنما يتباهون بها على الملأ، ويرونها بمثابة "شرف وطني"، كما اعترف بذلك إعلامي معروف على الهواء، من دون حياء أو خجل.
الفرق في التعاطي بين "إيميلات" هيلاري وتسريبات "عباس" هو تجسيد حي للفرق بين الدول الناجحة ونظيرتها الفاشلة، وبين الشعوب الواعية ونظيرتها "النائمة"، وبين الصحافة المستقلة والمسؤولة، ونظيرتها "التابعة" و"المتورطة". وهي، أيضاً، مسألة كاشفة لحالة التردي والانحطاط التي أصابت مؤسسات الدولة وثقافة المجتمع في مصر، في ما يخص الرقابة على الموظف العام ومحاسبته. وهي الحال نفسها التي جعلت من شخص مغمور مثل عباس كامل، بمثابة الحاكم الفعلي للبلاد، يأمر فُيطاع، ويسرق فلا يُحاسب، ويهدد فيُخيف، ويتآمر فتتم ترقيته وترفيعه.