الدبلوماسية بوابة واشنطن للعودة إلى الصومال

سبت, 2015-03-07 10:12
مسلح صومالي

تتسم علاقات الولايات المتحدة والصومال بتوتر وجمر متقد تحت الرماد بصورة مستمرة، منذ مقتل وسحل جنود أميركيين على يد مقاتلين صوماليين قبل ربع قرن. ولذلك يأتي تعيين أول سفير أميركي منذ ذلك الوقت بمثابة خطوة تستدعي الكثير من التساؤل.

أثار تعيين الولايات المتحدة أول سفير لها في الصومال منذ تسعينيات القرن الماضي جدلا وعلامات استفهام، على مدى الأيام القليلة الماضية، من حيث التوقيت والدلالات.  

وكانت الولايات المتحدة قد أغلقت سفارتها في العاصمة الصومالية مقديشو بعيد انهيار نظام الرئيس السابق محمد سياد بري نتيجة الحرب الأهلية التي انخرط فيها عدة فصائل صومالية ضده.  

ويكتسب تعيين سفير أميركي بالصومال أهمية ودلالة من نوع خاص، حيث إنه من البلدان التي شهدت حالة تدخل عسكري أميركي، وذاق فيها الجيش الأميركي هزيمة وصفت بـ"المذلة" نتج عنها الابتعاد عن المشهد الصومالي.

فبعد إغلاق سفارتها في مقديشو، نفذت الولايات المتحدة عملية "إعادة الأمل" بمشاركة قوات من ثلاثين دولة نهاية عام 1992 لاحتواء أزمة مجاعة في جنوب الصومال، إلا أن العملية انتهت بمقتل 18 جنديا أميركيا وإسقاط مروحيتين من طراز "بلاك هوك". وقام مقاتلون صوماليون بسحل أحد جنودها بشوارع مقديشو في مواجهة مع أنصار الجنرال الراحل محمد فارح عيديد.

وبعد أكثر من عقدين، عينت الولايات المتحدة الشهر الماضي الدبلوماسية كاثرين داناني سفيرة لدى الصومال كأول دبلوماسية أميركية تتولى هذا المنصب. وكانت واشنطن طوال السنين الماضية تتابع الشأن الصومالي عبر سفارتها في كينيا المجاورة.

متان اعتبر تعيين سفير أميركي دليل جدية واشنطن في تعزيز نفوذها بالصومال (الجزيرة)

ترحيب حذر
ورغم ترحيب الحكومة الصومالية بالخطوة، فإن المراقبين لاحظوا أن تعليقها على التعيين كان مقتضبا، وعبرت فيه عن توسع العلاقات بين البلدين أكثر من أي وقت مضى، واعتبرته أمرا يصب في صالح تقوية تعاون البلدين في مجالات الأمن ومكافحة "الإرهاب" الدولي والقرصنة والمجال الإنساني والتنمية والحد من الفقر.

ويرى محمد موسى متان، المتخصص في العلاقات الدولية والمحاضر بجامعة الصومال بمقديشو، أن تعيين الولايات المتحدة سفيرا لها بالصومال، في هذا التوقيت، يعد مؤشرا قويا على جدية اهتمامها بالصومال ورغبتها في التعامل معه مباشرة دون اللجوء إلى سفاراتها بالدول المجاورة.

من جهة أخرى، رجح متان أن يكون مرد الخطوة رغبة الولايات المتحدة في تعزيز نفوذها ووجودها في الصومال بحكم الثروات النفطية التي يتمتع بها والتي لم تستخرج بعد، والتي تعد محل تنافس قوي مع دول أخرى ولا سيما الصين التي عينت هي الأخرى سفيرا للصومال العام الماضي.

وقال كذلك إن الولايات المتحدة متنفذة في الصومال سياسيا منذ فترة، ولديها مصالح إستراتيجية، وشركاتها كانت أكثر الشركات التي تحصلت على العقود لتنقيب واستخراج النفط بالصومال قبل انهيار الحكومة العسكرية السابقة عام 1991، ولذلك ستبذل جهودا كبيرة لمنع أية شركات أجنبية أخرى من أخذ هذا الدور عبر تعزيز تمثيلها الدبلوماسي مع تقديم دعم كبير للحكومة الصومالية.

أما الباحث الأكاديمي الدكتور حسن الشيخ علي نور، فرأى أن تعيين سفير أميركي بالصومال بعد غياب دام نحو ربع قرن لم يكن عاطفيا بقدر ما هو ناتج عن دراسة متأنية، وضعت الإدارة الأميركية خلالها أمورا كثيرة في الاعتبار، مثل شعورها بأن التهديد الأمني قد تراجعت حدته وأن أمن الصومال في طريق التعافي والتحسن، وفق تعبيره.

واعتبر نور أن الخطوة تعزز الاعتراف الذي منحته الإدارة الأميركية مطلع عام 2013 للسلطة الحالية في الصومال، وذلك لأول مرة منذ 1991، مشيرا -في حديث للجزيرة نت- إلى أن الأمر يدل أيضا على تصميم الإدارة الأميركية على الإمساك بزمام العملية السياسية في الصومال وتوجيه بوصلتها لتحقيق مصلحتها الإستراتيجية المتمثلة في الأمن والموارد.

راغي اتهم الولايات المتحدة بالمتاجرة بمصالح الشعب الصومالي (الجزيرة)

تاريخ طويل
ولم ترق خطوة تعيين سفيرة أميركية بالصومال لـحركة الشباب المجاهدين التي سيطرت في وقت من الأوقات على مساحات شاسعة في الصومال، ولا تزال تحتفظ بجيوب تحت سيطرتها.

وقال الناطق باسم الحركة الشيخ علي محمود راغي إن الخطوة "تكرس هيمنة وتدخل الولايات المتحدة في الشأن الصومالي المستمر منذ فترة طويلة".

وقال راغي إن تدخل أميركا من خلال دعمها أمراء حرب وغزو دول أجنبية قد جلب المآسي للصومال وشعبه. وأضاف للجزيرة نت أن "الخطوة الأميركية الجديدة لا تساهم إلا في استمرار أزمة الصومال ونهب ثروات البلاد وإيذاء الشعب الصومالي".

وعلق المتحدث على التوقيت بأنه متزامن مع تبني الولايات المتحدة سياسة التجويع من خلال منع الصوماليين المقيمين لديها من إرسال مبالغ مالية عبر شركات تحويل الأموال إلى ذويهم وأسرهم في الصومال.

الجزيرة.نت