تجبُ الاشارة إلى أن حُمولات المدح التي تكيلها النخب شبه الطليعيّة، قبل عامة الشعب من البسطاء. في مُناسباتٍ كرنفالية رديئة لحضرة الجنرال المَرضى به حدّ الوجع الصارِخ وزُمرته الفاسدة، ماهي إلا دليلٌ عكسيّ مُستبطن على ذمٍ مضمور يخشى الإعلان عن نفسه حتى لايذوقُ صاحبُه المُرّين معاً.
إنّ المثقف (مع تحفظي على الوصف) المُهمش المتغني دوماً بالكرامة في حالتنا يُشدُّ من عليائه حتى يمدح بُغية دُريهماتٍ معدودة تُشعره للحظات بعلّو مكانته اللاّمحترمة، وهو في ذلك يعيشُ الوهم بمعناه الزيفي الأكبر، ومثلُه شيخ القبيلة الجشع كما سلفه. إنّه هو الآخر يمدح حتى يضمن لقبيلته مكانتها في صراعٍ غاباتي شرس، هذا. كما أنّه يُمكن إدراج المواطن البسيط المكانة في الأمر نفسه. إنّه هو الآخر يمدح بُغية أن ينال مايعنه على مصروف عائلته المسكينة، في نواحي حياتها المُتعددّة. الغذاء، المسكن، الصحة، التعليم، بهجة الأشياء الحياتية الأخرى.
هكذا إذاً، تجري عمليّة التطبيل اللاّواعي ببرغماتيه البسيطة، في واقعنا الاجتماعي-السياسي الرديء، إنّ الشعب الميسور الحال لايمدح، ومثله مثقفيه الحاملين لقضاياه عن وعيِ كبير. ولنا، في واقع الدوّل المتقدمة مِِثالاً حيًا.
آهٍ، ياللوَجع الصارِخ؛ كم نحنُ مُعذبون، جانبيّون في هامِشنا، عن وعينا واللاّوعينا؟ إننّا حتى في تطبيلنا العدميّ نتعذّب، نذق الإهانة بطعمها العلقمي.
لكن، الجنرال وزُمرته من رجال أعمال ومسؤولين فاسدين، لايتفطنون لهذه الحالة المضمورة، السائرة على الشارع في وضح النّهار دون أن يراها أحد منهم. لذلك يستمرون هم الآخرون في وهمهم المُريح، مُعتقدين أنّ الشعب بكليّته راضٍ عنهم بصدقٍ أعمىَ، كم هم موهومون حقاً !؟
إنّ الشعب يمتدحك حتى ينالَ مايعينه على صروف الزّمن، وهو في مجالسه العاديّة، البسيطة، يتعبّد اللّه بكرهه إيّاك، ياسيّادة الحفار الأكبر، أفهمتَ؟
في اليابان علّق مُجموعةٍ من آباء التلاميذ وزيراً للتعليم بيديه الآثمتين لأنه مارسَ فساداً لايُغتفر، هكذا مرةً واحدةً. وفي مُعظم الدول المُتقدّمة يسيرُ رئيسُ الورزاء، ومثله كِبار المسؤولين على الشارع، بل ويركبون القطارات-الأنفاقية وغيرها من وسائل النقل مع الشعب البسيط، دونَ أن ينظر لهم أيّ أحد من المواطنين العاديين نظرة تبجيليّة حذِرة، أو حتى دون أن يتهافتون إليه لأجل الترحيب وإعلان الاحترام وهم منتكسي الرأس، على نحوٍ يشي بالذّل والمهانة كما هو الحالُ عندنا.
إنّ الشعب عندنا عبدٌ في حالة أنّ الرئيس سيّدٌ، والعبدُ لايحبُ سيّده، مهما تظاهر بذلك أمامه أو أمام غيره، أما عندهم فالأمر يختلفُ مُطلقاً.
إنّ الشعب هناك يعي معنى الكرامة. لذلك تحرر من سلوكيات الذّل، لقد تجاوز مرحلة العبودية التصنيمية للسيّد التي توجد في شعبنا المُعذّب الرّاقد.
إلاّ أن هذا لايجعلنا نعتقد بصدقيّة الحالة التطبيليّة المُتجسدة على واقعنا، إنّها على العكس زائفة. إذ الشعب في صميمه، وأناه الداخلي يكره كلّ المسؤولين، وهو في مدحه لهم إنّما يبحث عن مقوّم وجودي في واقع نبذيّ اقصائيّ له، لذلكَ فالمدحُ هنا ذمٌ من نوعٍ مُختلف. أو هو الذّم في معناه الباطني الحقيقي..!
إنّ الحالة التطبيلة الرديئة المُتجسدة على الواقع يُمكن أن تُستخدم دليلاً رَفضياً مُضاداً، في حين يعتقدون هم أنّه تأييدي رضائي. لكن، مايبعث على الحزن ليس هذا الآمر الزائف في ظاهرته، إنّما هو : مادام شعبٌ كهذا بجميع أهله يذوقُ الاهانة والعذاب يومياً، لماذا؛ لايثور ويُخلص نفسه من عذابٍ لايرتضيه؟ يتحرّر؟ يُخلص نفسه من عبودية صنميّة لثلة الفسدة المُتحكمين فيه؟ لماذا ؟
نقلا عن مدونة الكاتب