زيارة معاوية أو زيارة الحفار‬

ثلاثاء, 2015-03-17 11:02
الحسين ولد محمد عمر

لم أعد أذكر - للأسف - الكثير مما حدث ذلك اليوم، حتى إنني نسيت ذلك اليوم المشئوم بالتحديد، فقط بعض اللقطات التي بقيت عالقة في الذاكرة إلى الآن، ومن بين ما أذكر أنه قبل أسبوع من الزيارة بدأ بعض العمال في إعداد المنصة (‏تريبين‬) التي سيلقي من عليها معاوية خطابه والتي لا تزال هناك إلى الآن على ما أظن، أذكر أن "‫‏سدوم والخليفه ابني أيده وديمي‬" قد أدوا إحدى أجمل الأغاني الإحتفالية طبعا بمقياس ذلك الزمان وللأسف أيضا لم أعد أذكر كلمات تلك الأغنية و أظن أن بدايتها (الخير جان بمجيكم ...) لست متأكدا.
شهدت تلك الأيام التي سبقت قدوم معاوية نشاطا غير مسبوق، سيارات كثيرة تنبعث مزاميرها بشكل متواصل ، والكل منشغل بطلاء منازلهم خاصة أولائك القريبين من منزل حاكم المقاطعة - أجمل منزل ساعتها - حيث سيستضاف ‏"معاوية‬" وحيث أعدت المنصة.
جاء اليوم الموعود، معاوية ولد الطائع، ينزل هو والوفد المرافق له من الجبل ، حيث أصعب طريق موجود ، قادمين من عاصمة الولاية. وما إن وصل قاعدة الجبل حتى بدأ الهرج والمرج و امتد كم هائل من الغبار من قاعدة الجبل حتى المنصة، في ذلك اليوم ‫"ضاعت الكثير من الأحذية‬ و‏دهس الكثير من كبار السن‬ و‏ضاع الكثير من الأطفال‬ و‏باتت أسر كثيرة دون وجبة عشاء".
ألقى معاوية كلماته التي تخللها الكثير من "‏أي أي‬" والتي لم تتعدى 30 دقيقة، خلالها يمكنك أن "‏تسمع الكثير من السعال"‬ بفعل الغبار الذي يملأ المكان ، أذكر ساعتها أيضا أنه انطلاقا من مكتب الحاكم إلى منزله لم يكن الطريق معدا ولا مزفلتا ولكنه أنجز في أقل من شهر لكي يمر "معاوية" على طريق معتدل.

كانت الكثير من النسوة يغنين ويرقصن احتفالا بقدوم معاوية وهن شبه عاريات، وبعض الرجال يتسابقون هنا وهناك لتنظيم الطريق للوفد القادم، كلها والكثير غيرها مشاهد تثير الشفقة من مواطنين في منتهى التعاسة والفقر ومع ذلك يرقصون لأنهم وعدوا بالحصول على نقود فور انتهاء الزيارة، لكن بعضهم لم يكن يهمه إلا كم اللحم الهائل فقط الذي يتوقع الحصول عليه فور انتهاء الزيارة أو على الأقل عند انتهاء ليلتها الأولى وهي الأهم.
و أنا أتفرج على تلفزيون خيرة لا يسعني إلا أن أقول‫ "‏إنني أشاهد زيارة معاوية من جديد لا أكثر ولا أقل‬.