“مكافحة المساجد” في شمال إيطاليا

جمعة, 2015-03-20 08:54
أحد المساجد في شمال إيطاليا

أمران لفتا أنظار مسلمي إيطاليا والعالم مؤخرا، “الأول” هو صدور قانون محلي في مقاطعة “لومبارديا” شمال إيطاليا يمنع بناء مساجد جديدة اعتبارًا من هذا الأسبوع في الشمال، و”الثاني” ظهور تعليقات على مواقع التواصل على صورة جدارية مثبتة على كنيسة ميلانو (التي تقع في لومبارديا شمال إيطاليا) بسبب منحوتات على جدار الكنيسة تظهر شخص يقطع رأس آخر بسيف ويمسكها بيده على طريقة “داعش”، وتعليقات تقول: “تخيلوا لو كانت هذه الصورة واجهة أحد مساجد المسلمين لا كنيسة ماذا كانوا سيقولون علينا؟”.

وأثار القرار بحظر بناء المساجد تعليقات أخرى نقدية وساخرة عن الحريات في الغرب التي تمنع المسلمين من الصلاة وتذكير بما سبق أن فعلته جماعات تطلق على نفسها “الجبهة المسيحية المقاتلة” سبق أن قامت بعمليات حرق مساجد في إيطاليا وتدميرها عام 2007.

وكانت (رابطة الشمال) الإيطالية التي تحسب على اليمين المتطرف، والقريبة أيضًا من رئيس الوزراء السابق “سيلفيو برلسكوني” وراء مشروع القرار، الذي أصبح المسلمون بموجبه غير قادرين على بناء المساجد في شمال إيطاليا، ولا حتى مواصلة أشغال البناء بالنسبة لتلك التي بدأت منذ سنوات.

ويتضمن القانون إجراءات وقواعد جديدة أكثر صرامة على افتتاح أماكن جديدة للعبادة بالمنطقة، بأهداف جديدة تتجه إلى تعقيد مطالب تأسيس أماكن للعبادة، خاصة الإسلامية في منطقة الشمال الإيطالي، الذي صدق عليه المجلس الإقليمي المحلي بأصوات الأغلبية ليمين الوسط.

وتعد مقاطعة “لومبارديا” من أكبر الأقاليم الإيطالية من حيث تعداد السكان، وأكثرها ثراءً، تتعايش فيها منذ عقود ديانات وجنسيات مختلفة.

ويعود تاريخ المواجهات بين المسلمين ورابطة الشمال في إقليم “لومبارديا” إلى 10 سنوات مضت، حينما طالب مسلمو إقليم الشمال من السلطات البلدية رُخصة لبناء مسجد يُصلون فيه بدلًا من “خيمة كبيرة” تم تخصيصها لهم في ضاحية مدينة “ميلانو”، يأتيها حوالي ألف مصل كل جمعة.

حيث رفضت “الرابطة” طلب بناء مساجد بالمنطقة، ولجأت إلى كل الوسائل القانونية للضغط على السلطات المسؤولة لمنع حدوث ذلك.

وتعرف رابطة الشمال بخطابها المعادي للمسلمين والإسلام؛ وسبق لأحد مسؤوليها أن قال: “ماذا يفعل المسلمون في المساجد؟ يُصلون ويقومون بالسياسة، ما الذي يختبئ وراء المراكز الثقافية الإسلامية؟ هل يذهبون إليها فقط من أجل الصلاة والحديث عن تقاليدهم؟ أو يذهبون هنالك للحث على كراهية الغرب؟ ففي بعض البلدان الإسلامية تحرق كنائسنا، ونحن نعطيهم الحق في بناء مساجد هنا، لا، هذا مستحيل، وعلينا اتخاذ قوانين حديدية للتحكم بهم“.

ورغم عدائية هذا القرار، فإن القانون لم يثر أي ضجة في الأوساط السياسية في “إيطاليا”، بما في ذلك يسار الوسط الإيطالي الحاكم، ما أثار انتقادات دفعت رئيس الحكومة “ماتيو رينتسي”، للتقدم بطعن رسمي باسم الحكومة الإيطالية، أمام المحكمة الدستورية، على قانون إقليم لمبارديا الذي يمنع إنشاء مواقع العبادة بالإقليم، تحت اسم “مكافحة المساجد”.

حيث أثار القانون مشاكل ورود فعل رسمية معارضة، ما أدى إلى إعلان المعارضة الحزبية لرابطة الشمال الانفصالية رفضها لاعتراض الحكومة، والعمل على إعادة طلب الالتزام بالقانون الجديد لدى المحكمة الدستورية، واستمرار رفض الوجود الإسلامي للمهاجرين الأجانب بمواقع العبادة والمساجد بالشمال الإيطالي.

والمسلمون الايطاليون قلقون مما يصفوه أيضًا بسياسات التضييق التي تمارس بحقهم ابتداء من قانون الهجرة المتعسف المعروف باسم (بوسي/ فيني) الذي يضع العراقيل وفترات الانتظار الطويلة للحصول على الإقامة وربطها بعقد العمل؛ بمعنى أنّ المسلم سيكون اأيرا لأهواء رب العمل، فضلا عن التحديدات التي تضعها السلطات المختصة على أذونات بناء المساجد وازدراء الإيطاليين للحجاب الإسلامي.

1.5 مليون مسلم وثمانية مساجد

وعلى الرغم من تزايُد الاهتمام بشؤون المسلمين في إيطاليا على مختلف الجوانب السياسية والثقافية؛ إلا أّن تصاعد أصوات جماعات اليمين المتطرف في إيطاليا خاصة بين بعض أحزاب الائتلاف الحاكم أصبح يمثل خطرا كبيرا على أبناء الجالية الإسلامية في إيطاليا وقد عبر بعض المناهضين للإسلام بين صفوف أحزاب اليمين الإيطالية خاصة حزب “رابطة الشمال” عن قلقه من زيادة أعداد المسلمين في إيطاليا الذي وصل إلى أكثر من مليون ونصف المليون مسلم بينهم نحو مائة ألف من أصل إيطالي اعتنقوا الإسلام في السنوات الأخيرة.

وأغلب مسلمي إيطاليا هم من المغاربة حيث يستحوذون على ثلث الحضور الإسلامي في إيطاليا فيما يشكل الثلثان الآخران خليطا من الألبانيين والتونسيين والسنغاليين والمصريين والبنغاليين والباكستانيين والجزائريين والإيرانيين والنيجيريين والأتراك والصوماليين وأخيرا الإيطاليين الأصليين المتحولين من المسيحية إلى الإسلام.

ومع تزايد الشعور لدى المسلمين في إيطاليا بالعنصرية والاضطهاد الديني في ظل هيمنة حزب رابطة الشمال على الأقاليم الشمالية الذي أصبح يمارس مزيدا من التضييق على مسلمي إيطاليا ليحول دون ممارستهم لشعائرهم الدينية بحرية، هاجر بعضهم لدول أوروبية أخرى أو عادوا لبلادهم الأصلية.

وسبق روبرتو ماروني وزير الداخلية وأحد زعماء الأحزاب أن عبر عن استيائه الشديد من تزايد عدد المسلمين في إيطاليا وعارض السماح لهم ببناء أماكن للعبادة، كما دعا أمبرتو بوسي زعيم الحزب لطرد المهاجرين الأجانب وخاصة المسلمين من إيطاليا.

ويستغل حزب رابطة الشمال ورقة الإسلام في كل حملاته السياسية الدعائية لكسب أصوات المتطرفين المتعصبين؛ حيث نجح في مواصلة اضطهاده للمسلمين وإغلاق عدد من المراكز الإسلامية في بعض المدن، مما دفع المسلمين لأداء الصلاة على الأرصفة ووسط الطرقات بحجة عدم احترامها للقوانين المعمول بها أو بتهمة نشر التطرف وتشكيلها خطرا على المجتمع الإيطالي وتغييبهم للحوار بين الجالية الإسلامية والمجتمع الإيطالي.

وكانت بعض البلديات في مدن الشمال الإيطالي في الفترة الأخيرة قد أصدرت قوانين صارمة تغرم كل امرأة ترتدي النقاب بأكثر من 500 يورو وتمنع النساء المحجبات من الدخول إلى الأماكن العمومية.

وإيطاليا التي يوجد بها 1.5 مليون مسلم لا يوجد بها سوى 8 مساجد، ويقع بها أكبر مسجد في أوروبا (روما – إيطاليا) على مساحة 30000 متر، فحتى عام 1970 لم يكن يوجد في إيطاليا سوى مسجد واحد بروما معروف بـ “الجامع الكبير”، وحتى 2012 وصلت إلى 3 مساجد فقط بخلاف حوالي 200 ملي صغير.

ويقع مسجد روما الكبير في الجزء الشمالي من روما، في منطقة البريولي، وهو يشكل أكبر مسجد في أوروبا، ويمكن أن يستوعب الآلاف من المصلين ويضم المركز الثقافي الإسلامي في إيطاليا، بالإضافة إلى أنه نقطة تجمعية ومرجعية في المجال الديني، ويضم أيضًا خدمات ثقافية واجتماعية متصلة بطرق مختلفة مع العقيدة الإسلامية.

ويتوزع في الوقت الحاضر (700) مركز إسلامي في المقاطعات الإيطالية العشرين أقدمها على سبيل المثال (المركز الثقافي الإسلامي في روما)، ويعود تأسيسه إلى عام 1966م ويضم مسجدا كبيرا وقاعة للمؤتمرات وهو المنظمة الإسلامية الوحيدة التي تحظى بالاعتراف الحكومي القانوني ويدار من قبل مجلس إدارة يضم سفراء الدول الإسلامية المعتمدين لدى كل من روما والفاتيكان.

ويليه (اتحاد الطلاب المسلمين بإيطاليا) الذي تأسس عام 1971 ثم (اتحاد الجاليات والجمعيات الإسلامية في إيطاليا) الذي تأسس عام 1991، أما الجمعية الإسلامية التي تقتصر على الإيطاليين المتحولين إلى الإسلام فهي (الرابطة الدينية الإسلامية في ميلانو) ويرأسها إيطالي مسلم هو الشيخ (عبد الواحد بلافيتشيني)، فيما يعمل نجله إماما وهي تنشط ثقافيا في تنظيم الندوات والمؤتمرات والدروس وتسوق نفسها على أنها تمثل (الإسلام الإيطالي المعتدل)، وهي تحاول جاهدة للحصول على الاعتراف القانوني بها من قبل السلطات الإيطالية.

“الجبهة المسيحية المقاتلة”

وعام 2007 كشفت مصادر إيطالية قريبة من التحقيق في قضية إحراق مسجدي سيغراتي وأبياتي غراسو بنواحي ميلانو، أن جماعة إيطالية تطلق على نفسها اسم “الجبهة المسيحية المقاتلة” هي المسؤولة عن العمليات الإرهابية التي طالت المسجدين ومقر منظمة الإغاثة الإسلامية بميلانو.

وقالت المصادر التي فضلت عدم الكشف عن اسمها، إن هذه الجماعة ظهرت بعد تبنيها في رسالة بعثت بها إلى عدد من وسائل الإعلام الإيطالية، عملية إرهابية ضد منظمة الإغاثة الإسلامية، مؤكدة أنها ستواصل حربها على المراكز الإسلامية والمساجد للتضييق على المسلمين وطردهم من إيطاليا.

واعتبر المحققون الإيطاليون أن منفذ العمليات الإرهابية الثلاث واحد لتشابه طريقة ووقت التنفيذ، وركزوا على فرضية أن عناصر هذه الجماعة تقيم غالبيتها بميلانو؛ لأن مساجد أخرى خارج نطاق المدينة لم تستهدف بعد.

والحضور الإسلامي في إيطاليا يرجع إلى عام (809م) حيث حكم المسلمون الأغالبة ثم الفاطميون جزيرة (سردينيا) حتى عام (1015م)، فيما بسط القائد العربي المسلم (أسد بن الفرات) سيطرته على جزيرة (صقلية) عام (827م) خلال فترة ولاية الأمير (زيادة الله الأغلبي).

وفي عام (863م) حكم المسلمون الأغالبة قبضتهم على مدينة (برندزي) الإيطالية ثم (نابولي) عام 837 م ثم (كلابريا) و(تارنتو) وصولا إلى ضواحي (روما) عام (846م) في زمن إمارة (محمد بن الاغلب)، إلا أنهم انسحبوا منها بعد أخذ الجزية من أمرائها.

وعندما استطاعت جيوش التحالف المسيحي استرجاع المدن الإيطالية عاود المسلمون السيطرة على مدينتي (نابولي) و(جاتيه) عام 934م، كما شهد عام (1481م) محاولات عثمانية للاستيلاء على الجنوب الإيطالي، وخلال الفترات المذكورة انتشر الإسلام على نحو محدود في صفوف الإيطاليين، ولكن بعد سقوط المدن بيد قوات التحالف المسيحي تمت تصفية جميع المظاهـر الإسلامية فيها.

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، تقاطرت على إيطاليا جاليات إسلامية قدمت من المستعمرات الإيطالية، فضلا عن بعض المهاجرين المسلمين الذين غادروا (أوروبا الشرقية) و(شمال إفريقيا). أما في العقدين الأخيرين؛ فقد استقبلت البلاد هجرات مسلمة متنوعة من منطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا؛ فضلا عن الآلاف من الطلاب المسلمين الدارسين في الجامعات الإيطالية.

صحيفة التقرير