كان فساد وقمع أجهزة الشرطة في العديد من الدول العربية وتحولها من حماية الشعوب إلى قهرها وإذلالها أحد الأسباب الرئيسة لاندلاع ثورات الربيع العربي، ولكن ما أصاب الربيع العربي أعاد هذه الأجهزة من جديد أكثر قمعا وبطشا بالشعوب، وأصبحت التجاوزات والانتهاكات التي ترتكبها شبه محمية من قبل الأنظمة التي تولت الحكم في تلك الدول، مما فتح الباب أمام ملف إصلاح أو إعادة بناء أجهزة الشرطة.
البروفيسور يزيد صايغ كبير الباحثين في معهد كارنيجي للشرق الأوسط، أعد دراسة نشرها المعهد حول “كيفية وإمكانية إصلاح هذه الأجهزة الشرطية، والأسباب التي أخرت إصلاحها حتى الآن، ولماذا عادت إلى سابق عهدها بعد موجة الثورات؟“.
وفيها يرى “صايغ” أن عودة أجهزة الشرطة في مصر وتونس إلى سابق عهدها بعد وقت قصير من الثورتين اللتين شهدتهما البلدان “كانت مسألة وقت“، ففي أعقاب الانتفاضات الشعبية كان جهاز الشرطة منهارا ومعنوياته “في الحضيض“، خاصة مع غياب الرئيس الذي كان يدعمهم ويفضلهم فأصبح الجهاز ضعيفا ومهزوما.
ويقول في الدراسة التي جاءت بعنوان: “الفرصة الضائعة: السياسة وإصلاح الشرطة في مصر وتونس“: “كانت هذه فرصة مواتية للبدء بعملية إصلاح لأجهزة الشرطة، لكن تأخر ذلك من قبل السلطات الانتقالية فضاعت الفرصة للمرة الأولى، ثم ضاعت للمرة الثانية من قبل الحكومات المنتخبة التي جاءت بعد ذلك“.
ويشير لسعي القوات المسلحة، التي كانت ممتعضة منذ فترة طويلة من صعود القطاع الأمني، إلى إعادة تفوقها في حالة مصر وتثبيت توازنها في حالة تونس، بعد سقوط مبارك وبن علي، وهو ما كان حافزا لهذه الإصلاحات أيضا.
وبدلا عن ذلك، فإن دولة “بوليسية” تظهر في مصر الآن فيما تعود المراقبة السياسية في تونس، وما كان ممكنا من الناحية السياسية في الأيام الأولى للانتفاضات أصبح أكثر صعوبة الآن، إن لم يكن خارج نطاق البحث تماما.
عنف الشرطة المصرية
أما عن سبب تأخر الحكومات التي تولت الحكم في مصر وتونس وغيرهما من دول الربيع العربي عن إجراء عمليات الإصلاح أو إعادة البناء لأجهزة الأمن، فيرى “صايغ” أن الكثير من القوى السياسية التي استلمت السلطة والحكم في هذه البلدان ولدت في العهد السلطوي، ومعتادة على النمط الفوقي للحكم، لذلك لم تفتح هذا الموضوع للحوار السياسي البناء مع قوى المجتمع السياسية والثقافية والإعلامية.
وإنه وعلى العكس من ذلك، “حاولت الكثير من هذه القوى احتواء أجهزة الشرطة بإعطاء بعض المنافع والتحسينات“، وكان الأسلوب الذي أدار به الرئيس المصري المعزول محمد مرسي هذا الملف مختلفا عما حدث في تونس، وتحركات مرسي وتراجعاته كان وقعها أكبر من مثيلاتها في تونس، حيث عالجت حركة النهضة الأمر بشكل مختلف بالتركيز على المناطق البعيدة عن العاصمة، وبالتالي البعيدة عن الأضواء.
إزاحة أم إصلاح؟
ويؤكد كبير الباحثين بمعهد كارنيجي للشرق الأوسط أنه لا يمكن إحداث أي تغيير ديمقراطي في أي بلد عربي بدون إصلاح جهاز الشرطة، الذي اعتبره صندوقا أسود لا يعلم أحد من خارجه ما بداخله، حتى أولئك الذين تولوا الحكم.
ويلفت إلى زاوية أخرى هامة في عملية الإصلاح، وهي “حقوق الشرطة وعناصرها“، معتبرا أن ذلك ضروري في ظل الظروف التي يعمل بها هؤلاء، وشدد على أن خيار الإزاحة التامة لأجهزة الشرطة “غير متاح وغير مفيد“.
وأشار في دراسته إلى أن إصلاح أجهزة الشرطة في حال سقوط الأنظمة القمعية التي تحكم العديد من دول الربيع العربي حاليا كمصر وسوريا واليمن والعراق وغيرهم، “لا يشترط سقوط هذه الأنظمة، بل يمكن القيام به وهي تحكم“.
وأضاف أن أولى الخطوات للمعالجة والإصلاح هي إخضاع جهاز الشرطة للمساءلة والمحاسبة المالية والإدارية وأمام البرلمان ولجان التحقيق العادية، معتبرا “أن التحجج باعتبارات الأمن القومي لعدم إخضاع هذه الأجهزة للمساءلة غير صحيح، ففي الدول الكبرى كالولايات المتحدة تخضع هذه الأجهزة بما فيها القوات المسلحة للمساءلة والمحاسبة دون الخوف من المساس بالأمن القومي“.
الداخلية صندوق أسود مغلق
عنف الشرطة المصرية
الدراسة تشير لأن وزارتي الداخلية في مصر وتونس لا تزالا “صناديق سوداء تكتنفها عمليات صنع قرار مبهمة، وتحكمهما شبكات من الضباط الذين قاوموا الإصلاح الهادف والشفافية المالية والرقابة السياسية، وإلى أن تصلح حكومتا البلدين القطاعين الأمنيين فيهما، بدلا من مهادنتهما، ستزداد ثقافة حصانة الشرطة من المساءلة، وسيظلّ التحوّل الديمقراطي مستحيلا في مصر وعرضة إلى الخطر في تونس“.
وترجع تأخر إصلاح هذه الأجهزة الأمنية بعد الثورات مباشرة لعدة أسباب منها، “حالة الاستقطاب السياسي الحادّ، حيث واجهت الأحزاب الإسلامية التي دخلت الحكومة بفضل الانتخابات اتهامات من جانب خصومها العلمانيين باستغلال أجندة الإصلاح للسيطرة على القطاعات الأمنية وأسلمتها“.
وسمح التأخير في السعي إلى تحقيق إصلاح جدّي لقطاع الأمن بأن يتحصّن، وبأن يستغلّ التهديد المتزايد للعنف السياسي والإرهاب، لكي يقاوم الجهود الرامية إلى جعله شفافا وخاضعا إلى المساءلة.
ويقول إنه كان ينبغي اختيار وزراء داخلية محايدين بسبب إرث عدم الثقة والاستقطاب السياسي في البلدان التي تخوض مرحلة انتقالية، بما يجعل من الضروري أن تتجنّب القوى السياسية الفاعلة أن تتنافس للسيطرة على قطاع الأمن. ولذا ينبغي تعيين وزراء داخلية محايدين وتمكينهم.
تقويض الهدف في مصر وتونس
عنف الشرطة
وتشير الدراسة إلى أن هدف الإصلاح لجهاز الشرطة، أصبح بعيدا في ظل مهادنة أصبحت السلطات الانتقالية في مصر وتونس للقطاع الأمني وضمان حياده السياسي شعار هو مسعى الحكومات الانتقالية المتعاقبة، بدلا من إصلاحه، ولذا فقد سمح التأخير في متابعة عملية الإصلاح الجدّي والتدابير الفاترة التي تم اتّخاذها للقطاع الأمني بالتحصّن، فضاعت الفرصة. و”إن الطريقة التي تطورت من خلالها الديناميكيات السياسية الانتقالية قوَّضت الفرصة فيما يتعلَّق بإصلاح قطاع الأمن“.
فالفترة الانتقالية الأولى: كانت الحكومات المؤقتة التي تشكّلت في أعقاب الانتفاضات مباشرة تتكوّن في الغالب من مسؤولين من عهدَي مبارك وبن علي، وكانت تلك الحكومات هيئات غير منتخبة مهمتها تسلُّم وتسليم السلطة وتفتقر إلى التفويض الشعبي أو الشرعية السياسية اللازمة للبدء في إصلاحات هيكلية كبرى في أي قطاع، بما في ذلك الأمن. وقد كانت محافِظة بطبيعتها، تفضِّل الاستقرار والاستمرارية على التغيير الثوري المزعزِع للاستقرار.
ولذلك ركّزت الإصلاحات الأولية التي قامت بها بالتالي بشكل حصري تقريبا على “إجراء تغييرات تجميلية إلى حدّ كبير تمثّلت في تطهير أو إعادة تكليف أعداد صغيرة نسبيا من الضباط وإعادة تسمية أجهزة الأمن السياسي“.
وفي مرحلة الاستقطاب السياسي: بعدما حظيت الحكومات الانتقالية اللاحقة بقدر أكبر من الشرعية بحكم أنها كانت منتخبة، وجدت صعوبة في مواصلة إصلاح القطاع الأمني وسط اشتداد حالة الاستقطاب السياسي.
وكان ذلك ينطبق بشكل خاص على جماعة الإخوان المسلمين في مصر ونظيرتها الإسلامية في تونس، حركة “النهضة“، واللتين كانتا تمثّلان في السابق الأهداف الرئيسة للدول “الأمنوقراطية” في عهدَي مبارك وبن علي، وأصبحتا الآن الأحزاب الرئيسة في الحكومة.
وقد أثارت محاولات الجماعتين الرامية إلى استبدال كبار المسؤولين في وزارة الداخلية أو غيرها من المؤسّسات الحكومية -وهو الأمر المعتاد لأي إدارة قادمة في بيئة ديمقراطية- اتهامات من قِبل منافسيهما العلمانيين – الذين تحالف أنصار النظام القديم معهم- والنشطاء الثوريين بالسعي إلى “الاستحواذ” على قطاع الأمن و”أَسْلَمَته“.
وعندما ردّت حركتا الإخوان المسلمين والنهضة على إحجام أجهزة الشرطة عن استئناف مهامها بصورة كاملة، عبر اقتراح وسائل بديلة أو رديفة لمعالجة تزايد حالات الخروج على القانون والجريمة، أدّى ذلك إلى اتهامات لا تخلو من التهويل بأنهما تسعيان إلى بناء هياكل أمنية “موازية” و”شرطة آداب” إسلامية (مطوِّعين).
وقد أسفر الفشل في تصميم وإطلاق أجندات الإصلاح عن تبدُّد التقبُّل المحتمَل للتغيير لدى عناصر قطاع الأمن، فازداد امتعاضهم وانكفأوا إلى نظرة عدائية تجاه المواطنين مجدّدا، كما حلَّ صعود أجندات مكافحة الإرهاب ردًّا على خطر العنف الجهادي الداخلي والعابر للحدود محلّ أي أمل في إحياء أجندة إصلاح قطاع الأمن.
القطاع الأمني في مصر: من الانهيار إلى الانتقام
وبحسب الدراسة، تجلّت هذه الاتجاهات والديناميكيات واضحة بصورة حيّة في مصر، والتي تقدم النموذج الأكثر شناعة حول تبعات عدم إجراء إصلاح بعيد الأثر لقطاع الأمن، فالمهمة كانت تتطلّب تحقيق تحوّل موازٍ لقطاع الأمن الضخم التابع لقيادة وزارة الداخلية.
إذ قُدّر عدد منتسبي القطاع الأمني بمليون شخص في أقل تقدير عندما اندلعت ثورة العام 2011، بينما تشير التقديرات الأكثر شيوعا إلى أنه كان يُعِدّ ما بين 1.5 و1.7 مليون شخص، بما في ذلك ما يصل إلى 850 ألفا من رجال الشرطة وموظفي وزارة الداخلية، و30-100 ألف من عملاء جهاز مباحث أمن الدولة، وما يصل إلى 450 ألف مجند في قوات الأمن المركزي شبه العسكرية، و300-400 ألف من المخبرين الذين يحصلون على رواتب.
وبدلا من إصلاح قطاع الأمن، اتخذت مصر منحى إعادة تشكيل الدولة البوليسية التي كانت قائمة في عهد مبارك، وساهم الفشل في السعي إلى الإصلاح الشامل مساهمة مباشرة في إطاحة الرئيس محمد مرسي في يوليو 2013، وإعادة تأكيد السلطوية الكاملة.
وقد سعى المجلس العسكري إلى كسب وزارة الداخلية كحليف واستعادة منتسبي قطاع الأمن، فقام بمبادرات تجاه الرأي العام والناشطين الثوريين المتعطشين إلى الإصلاح، على شكل إقالته 670 من كبار ضباط الأمن الداخلي، معظمهم في جهاز مباحث أمن الدولة سيئ السمعة، وغيّر اسم الجهاز ليصبح قطاع الأمن الوطني. غير أن الإجراء التالي الذي قام به المجلس تمثّل في منح الشرطة زيادة في الأجور بنسبة 300 في المئة في ميزانية العام 2012، من دون أن يربط ذلك بمعايير جديدة للأداء أو بتوقعات بشأن السلوك.
وعندما أصدرت وزارة الداخلية أول مدوّنة سلوك للشرطة في تشرين الأول/أكتوبر 2011، افتقرت الوثيقة إلى واجبات وعقوبات واضحة، فبدلا من حماية المواطنين من سوء المعاملة، ضمَنَت الوثيقة فعليّا حصانة الشرطة، فيما استخدمت مصطلحات تعيد تأكيد الطابع العسكري للشرطة.
الإخوان والشرطة
عنف الشرطة المصرية
وتشير الدراسة إلى أنه في أعقاب انتخاب زعيم جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي رئيسا للجمهورية في يونيو 2012، ونظرا إلى تولّيه المنصب بفضل انتخابات رئاسية حرة وتنافسية حقيقية هي الأولى في مصر منذ تأسيس الجمهورية في العام 1952، كان يتمتع بتفويض شعبي مقنع للمباشرة في الإصلاح، تقابله توقعات كبيرة كان يترتب عليه تحقيقها، وكانت الفرصة متاحة للإصلاح.
وفي ذلك العام، وضع عمرو درّاج، وهو مسؤول كبير في جماعة الإخوان المسلمين، إصلاح قطاع الأمن على رأس قائمة أولويات حزب الحرية والعدالة، الذراع البرلمانية لجماعة الإخوان المسلمين، الذي كان قد فاز بما يقرب من نصف المقاعد في مجلس الشعب، وقال درّاج إن إصلاح القطاع الأمني “ربما يكون أهم ملفّ نريد أن نعمل عليه، لأنه هو مفتاح الاستقرار وذلك هو أساس أي تنمية اقتصادية أو إصلاحات إضافية“.
وقد أحالت وزارة الداخلية 454 من كبار الضباط إلى التقاعد في يوليو، غير أن حكومة هشام قنديل، الذي عُيّن رئيسا للوزراء في ذلك الشهر، لم تأمر حتى بإجراء مراجعة للقطاع الأمني، ناهيك عن التخطيط للقيام بإصلاح شامل له.
وفي أكتوبر اقترحت وزارة العدل مشروع قانون يفرض عقوبات أشدّ على استخدام التعذيب والانتهاكات الأخرى من جانب الشرطة، ولكن كما هي الحال مع كل المحاولات الأخرى التي جرت منذ العام 2011 لجعل القانون الجنائي متوافقا مع المعايير الدولية، لم يصدر هذا القانون عن الهيئات التي كانت تملك السلطة اللازمة للقيام بذلك في غياب البرلمان: رئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء أو مجلس الشورى المنتخَب.
وعندما قدّمت لجنة الصياغة التي تهيمن عليها جماعة الإخوان دستورا جديدا للمصادقة عليه في استفتاء عام في ديسمبر، فإنه لم يتضمّن ما يغيّر سلطات وصلاحيات قطاع الأمن بصورة جوهرية، ناهيك عن إصلاحه.
وبحسب تقرير كارنيجي: “كشف الإهمال الواضح لإصلاح القطاع الأمني من جانب إدارة مرسي عن مفارقة، فمن ناحية، ادّعى الناشطون الثوريون وجماعات حقوق الإنسان، الذين كثيرا ما اتّهموا جماعة الإخوان المسلمين منذ العام 2011 بإبرام صفقة سرّية مع المجلس العسكري للحفاظ على امتيازاته ومصالحه العسكرية في مقابل تسليم السلطة بصورة سلمية، بأنه تم التوصّل إلى تفاهم مماثل مع وزارة الداخلية أيضا، فاعتقدوا أن قطاع الأمن كان قد حوّل ولاءه من مبارك إلى سادتها السياسيين الجدد“.
وبحسب الدراسة: “تركت إدارة مرسي بصورة متعمّدة وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية ذات الصلة في أيدي الموالين لعهد مبارك، وهو الخيار الذي قوبل بانتقادات من جانب النشطاء الثوريين، حيث وقع اختيار إدارة مرسي الأول لمنصب وزير للداخلية على اللواء أحمد جمال الدين، الذي يعتبره البعض أحد الأعضاء المتشدّدين في الجناح المناهض للإصلاح في الوزارة“.
وفي أكتوبر، عيّن مرسي ضابطا كان مسؤولا في السابق عن مراقبة منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام، وعن “مواجهة” جماعة الإخوان المسلمين، مديرا جديدا لجهاز الأمن القومي.
ولاحقا، اتّبعت إدارة مرسي، إزاء عدم تعاون وزارة الداخلية معها، وسائل أخرى للتصدّي لتدهور القانون والنظام العام، ففي أكتوبر من العام 2012، منح وزير العدل الجديد صلاحيات الشرطة القضائية إلى هيئة الرقابة الإدارية، جهاز الرقابة الرئيس في البلاد.
ولكن في سياق سعيها إلى التوصّل إلى تعايش مع قيادات قطاع الأمن، أضاعت إدارة مرسي الفرصة للاستفادة من المشاعر الإصلاحية بين أفراد القطاع من جميع الرتب، فقد طالب رجال الشرطة الذين بدأوا سلسلة من الإضرابات العشوائية في أكتوبر2011، بإقالة كبار قادة الشرطة المتّهمين بالفساد، والمساواة في حق الدخول إلى مستشفيات الشرطة لجميع الرتب (الضباط وصف الضباط والخفراء على حدّ سواء)، ووضع حدّ لولاية نظام القضاء العسكري على رجال الشرطة.
وبدأت ائتلافات الشرطة المؤيّدة للإصلاح تشكو من أن إدارة مرسي تتجاهل مقترحاتها “لتحسين المساءلة وقواعد الترقية والاستبقاء والتدريب“، وقال المتحدث باسم مجموعة “ضباط لكن شرفاء” إن إدارة مرسي تفتقر إلى أي “إرادة سياسية حقيقية لإعادة هيكلة وزارة الداخلية، وهذا ما جعلنا نعود إلى المربع الأول“.
من الانتقام إلى استعادة الحصانة
وقد تنازلت إدارة مرسي عن إدارة القطاع الأمني تماما لوزارة الداخلية، بحسب الدراسة، فسعت الوزارة إلى درء مشاعر الإحباط والاستياء لدى الشرطة وتوجيهها بعيدا عن نفسها، في الوقت الذي كانت تشجّع المشاعر المعادية للإصلاح بين مختلف الرتب.
وشعر أفراد الشرطة بأنهم وقعوا في الفخ: فالجمهور كان يتوقّع منهم العمل على توفير النظام العام وإنفاذ القانون، ولكنهم سيتعرّضون إلى المحاكمة إذا ما تسبّبوا بإصابة أو وفاة وهم يدافعون عن أنفسهم ضد الاعتداء الجسدي، حتى من البلطجية، لكن لم توفّر الحكومة قواعد أكثر صرامة للاشتباك وإصلاحات قانونية بعيدة الأثر تتناول حقوق واحتياجات أفراد قطاع الأمن الأساسية.
نتيجة لذلك، تحوّل شعور الشرطة بالصدمة والتراجع بعد انتفاضة العام 2011 إلى استياء ورغبة في الانتقام، وتم إحياء النظرة التي غُرِسَت في الأذهان أثناء تدريب رجال الشرطة بأن جميع المدنيين سيئون أو دونيون، وعاد استخدام التعذيب وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان التي كانت تمارس على نطاق واسع في عهد مبارك.
وابتداءً من أواخر العام 2012 فصاعدا، لجأت الشرطة إلى استخدام العنف غير القانوني بوتيرة متزايدة ضد المجتمعات المدنية التي كان ينظر إليها على أنها عدائية، وقد أصبح أي شكل من أشكال الاحتجاج تقريباً مجرَّما في أذهان رجال الشرطة.
إحياء دولة مبارك البوليسية
ثم لعبت وزارة الداخلية دورا محوريا في الإطاحة بمرسي يوم 3 يوليو وفي عمليات القمع التي تلت ذلك، ففي يوم 14 أغسطس قتلت قوات الشرطة شبه العسكرية بمساعدة من أفراد الجيش “817 شخصا على الأقل، وعلى الأرجح أكثر من 1000” من أعضاء وأنصار جماعة الإخوان المسلمين في موقعَي الاحتجاج الرئيسَين في القاهرة، وفقا لتحقيقات استمرت عاماً قامت بها منظمة “هيومن رايتس ووتش“.
وبحسب مدير “هيومن رايتس ووتش“، كينيث روث، كان وزير الداخلية المصري محمد إبراهيم “المهندس الرئيس لخطة فضّ الاعتصامات“، وقد نفّذها تحت الإشراف المباشر للسيسي، الذي كان لايزال آنذاك وزيرا للدفاع ونائبا لرئيس الوزراء، وأصبح رئيسا فيما بعد.
في موازاة ذلك، صدرت سلسلة من القوانين، في الفترة بين سبتمبر 2013 ونوفمبر 2014، عن الحكومة المؤقتة بعد الانقلاب، أو عن الرئيس المؤقت عدلي منصور، الذي حلّ محلّ مرسي، أو عن السيسي، الذي خلف منصور في يونيو 2014، مكّنت قطاع الأمن والمحاكم والنائب العام من اللجوء بصورة متكرّرة إلى إجراءات استثنائية لم تكن ممكنة في عهد مبارك إلا من خلال الإبقاء على حالة الطوارئ لمدة 30 عاما من حكمه.
كما أضفى الدستور المُعدَّل الذي تمّت الموافقة عليه في استفتاء عام في يناير 2014، الصفة الرسمية على استقلالية قطاع الأمن عن أي رقابة مدنية، ناهيك عن الحوكمة الديمقراطية، وذلك من خلال منح وزارة الداخلية حق النقض فعليا على أي قانون يتعلّق بالشرطة.
كما تم تشديد الرقابة الداخلية حيث أُعيد التأكيد على الحظر المفروض على تشكيل نقابات الشرطة وحرمان أفراد قطاع الأمن من حق التصويت في الانتخابات العامة، على الرغم من أن هذا الحق ممنوح بوصفه حقاً لجميع المواطنين في أجزاء أخرى من الدستور.
التقرير