عنصرياتنا المتنوعة

اثنين, 2015-03-23 23:26
نجوى بركات

قلما خلا بيت في لبنان من عاملة منزلية، والظاهرة هذه متعددة الأسباب. فإما هم الأبناء المسافرون الذين لا يقدرون على الاهتمام بأهاليهم المسنّين، وإما هي المرأة العاملة والموظفة التي باتت تحتاج إلى من يعينها على إدارة منزلها، والاهتمام بأولادها، أو هي رغبة الترقي الاجتماعي، والبروز بمظهر ميسوري الحال، القادرين على التمتع بخدمات عاملة منزلية. 
وفي مطلق الحال، فإن رخص اليد العاملة المستوردة من أماكن في العالم تعاني من النزاعات أو من الفقر، جعل عدد العاملات الأجنبيات في المنازل اللبنانية يقارب نحو 158.000 عاملة، وهو الرقم الذي أعلنته وزارة العمل قبل عامين، بالاستناد إلى ما أصدرته من إجازات عمل. هذا العدد المعلن رسميّاً غير دقيق على ما يبدو، إذ ينبغي أن يضاف إليه من يعملون بصورة غير قانونية، أو غير شرعية. وعلى الرغم من شروط العمل القاسية، والأجور المتدنية، والعمل بنظام الكفالة، من جهة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، وتراجع مستوى المعيشة، من جهة ثانية، فإن الأعداد لا تني تتزايد وتتدفق، لتغذي الفئات الاجتماعية كافة، ومختلف المناطق اللبنانية. 
والعنصرية التي يُتّهم بها اللبنانيون، حقّاً أو باطلاً، ليست حكراً على المستخدِم دون سواه، بل إنها قد تستشري، وبعنف أكبر أحياناً، بين المستخدَمين أنفسهم. فالخادمة، أو الشغّالة، أو الصانعة، أو البنت، كما درجت تسميتها في اللغة المستخدمة، يومياً، تنتمي لجنسيات تخضع بدورها لتصنيف تراتبيّ، تقف الفلبينية في أعلاه، تليها الإندونيسية، فالسريلانكية، فالهندية، فالأثيوبية، فالبنغالية، في حين تتموضع الأفريقية، وأيّاً كان بلد منشأها، في أسفل السلّم التراتبي. فالفلبينية تكلّف أعلى المبالغ والأجور، وتطالب بأن يكون لديها غرفة وحمام خاصان بها، ويوم عطلة وهاتف جوال، بينما تكتفي زميلتها الأفريقية، مثلاً، بما يسد جوعها ويكفيها شر النوم في العراء. ولا تعاني العاملات المنزليات من النظرة الفوقية تجاههن، فحسب، بل تراهنّ يمارسن العنصرية نفسها ضد بعضهن، فتنظر من هي في رأس القائمة إلى من تليها نظرةً متعالية، في حين تعامل من تأتي في الدرجة الأخيرة، أو ما قبل الأخيرة، بازدراء واحتقار كاملين.
ولست أدري من وضع التصنيف هذا، أو كيف، ومن أين جاء. لكني، حين أستغرب الأمر، أجدني أفكر في تصنيفات وقوائم أخرى، تنطبق، هذه المرة، على الأمم. هكذا نجد، مثلاً، الأميركي واقفاً في أعلى القائمة، يليه الأوروبي، ومن ثم الآسيوي، ليأتي الأفريقي، مرة أخرى، في أسفل القائمة. وعندما نعزل مكونات هذه اللوائح على حدة، نجد أن التصنيف التراتبي نفسه ينطبق على كل مكوِّنٍ فيها. فأهل أوروبا الغربية، مثلاً، يتقدّمون على أهل أوروبا الشرقية، مكانةً ومنزلة، في حين يتقدّم أهل الشمال على أهل الجنوب، والعرق الأبيض على العرق الأصفر، والأصفر على الأسود، والغني على الفقير، والرجل على المرأة، والصحيح السليم على المريض المعتلّ، والجميل على القبيح، والشاب على المسنّ، والطويل على القصير، إلخ.
ولن يخلُوَ أي مجال، أو حقل، أو ركن في الكرة الأرضية، من تلك المفاضلات والمقارنات التي تخترع دوماً: أولاً وأخيراً، أفضل وأسوأ، أضعف وأقوى، على الرغم من تعسّفها وظلمها وإضرارها بالطرفين المعنيين. لكأنّ العالم لا يستوي إلا إن تشكّل على طرفين متنازعين، متجاهلاً كل ما تسبغه عليه جمالية التنوّع والتعدد من ثراء. 
أعرف أن الطبيعة ظالمة أحياناً، أنها تكره الضعيف والمعتل، وما به شائبة، وتنحاز إلى السويّ والقويّ، لكي تحسّن نتاجها وأداءها، وأنها تسعى إلى استعادة نظامها بسبل قاتلة أحياناً. لكني ما عرفت، أبداً، حيواناً يمارس العنصرية ضد أخيه الحيوان، مهما علا شأن فصيلته، أو صعد على سلم الارتقاء. فهنيئاً لنا، نحن بني البشر، بعنصرياتنا كيفما كانت، صغيرة أم كبيرة، مضمرة أو معلنة؟