امتلأت وسائل الإعلام بالتكهنات بشأن إحداث جيش عربي، اقترحته مصر ودعمه حكام دول خليجية، لاحتواء تهديد الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش).
وقال نبيل العربي، وهو الأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية المصري السابق، يوم 9 مارس: “هناك حاجة ملحة لإنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة متعددة الأغراض … وقادرة على التدخل السريع لمكافحة الإرهاب وأنشطة الجماعات الإرهابية“.
ومع ذلك، فإن احتمال إنشاء مثل هذه القوة في المستقبل القريب ليس واردًا للغاية، وفقًا لهلال خشان، وهو رئيس قسم العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، الذي حدد اثنين من العقبات الرئيسة في طريق هذا الاقتراح، هما الشقاق بين دول الخليج العربية، وعدم وجود دعم من الولايات المتحدة.
وقال خشان: “لم يظهر العرب أبدًا قدرة على التعاون طويل الأجل“. وأضاف: “العرب بحاجة لدعم الولايات المتحدة قبل إنشاء مثل هذه القوة. ومن المستبعد جدًا أن ترغب الولايات المتحدة بأن يعمل العرب بشكل مستقل عن خططها للمنطقة“.
ما الذي سيبدو عليه الجيش العربي المشترك؟
إذا ما تم إنشاؤه، فإن هذا الجيش سوف يشمل مصر، والسعودية، والأردن، والإمارات العربية المتحدة، وهي الدول التي دعمت فكرة إنشائه في الأشهر الأخيرة.
ووفقًا لخشان، كانت المملكة العربية السعودية أول من اقترح فكرة إنشاء مثل هذه القوة. وسوف تكون المملكة أيضًا الداعم المالي الرئيس لمثل هذا الجيش، وبالتالي، ستكون هي من تقوده أيضًا. وسوف تأتي الغالبية العظمى من القوات والأفراد من مصر “على وجه الحصر تقريبًا“، كما قال خشان. حيث إن لدى مصر أكبر جيش في الشرق الأوسط، وهي من بين الدول التي تدعم إنشاء هذه القوة الجديدة.
وقد أعلنت السعودية أنها ستقدم 100 ألف جندي، وفقًا لخشان، الذي أعرب عن تشككه حول مدى فعالية هذه المساهمة، حيث إن “الجيش السعودي ليس جيش قتال“.
تجربة لبنان
والفكرة الأصلية لهذه القوة مستمدة من “قوة الردع العربية (ADF) لاستعادة السلام في لبنان” في عام 1976، وفقًا لما أوضحه خشان لمينت برس.
وكانت الجامعة العربية قد أنشئت ADF في ذلك العام، في أعقاب الغزو السوري للبنان في يونيو/حزيران بعد اندلاع الحرب في لبنان. ودخلت سوريا لبنان بعد أن أدركت أن “تقسيم [البلاد] قد يشكل تهديدًا لمكانتها وتقويضًا لنفوذها في الشؤون اللبنانية“، وفقًا لجان بيير ايسيل من جامعة جنيف ومؤلف كتاب “قوة الردع العربية في لبنان“. وبقيت القوة التي غلب عليها السوريون في لبنان حتى أجبرتها احتجاجات عام 2005 على الخروج منه.
المشاكل التي تمنع إنشاء هذه القوة
في حين كانت هناك لقاءات بين الجنرال عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش المصري ورئيس البلاد، والملك سلمان من المملكة العربية السعودية، لمناقشة إمكانية إنشاء هذا الجيش العربي، لا زالت هذه الخطة تواجه عقبات جيوسياسية وتاريخية لا يمكن التغلب عليها.
وأولى هذه العقبات، كما ذكر أعلاه، هي أن دول الجامعة العربية، وهي 21 دولة في شمال أفريقيا وجنوب غرب آسيا، ليس لديها أهداف موحدة للسياسة الخارجية للاتفاق على كيفية استخدام هذه القوة.
وحتى بين دول مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم ست دول هي البحرين، الكويت، عمان، قطر، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، هناك وجهات نظر متباينة بشأن السياسة الإقليمية.
وهذا الانقسام واضح بشكل خاص في سياسات قطر في المنطقة مقارنةً مع الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. حيث اختلفت المملكة العربية السعودية وقطر حول مستقبل مصر عندما جاء الإخوان المسلمون إلى السلطة في البلاد عام 2012.
وقد خسرت قطر في نهاية المطاف الصراع على النفوذ في هذه الدولة عندما جاء السيسي إلى السلطة في عام 2013 بعد أن قاد انقلابًا عسكريًا أيدته فيه المملكة العربية السعودية.
وعلاوةً على ذلك، تصرفت عُمان دائمًا بطريقة شاذة عن المجموعة. ومنذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981، أقامت عُمان علاقات وثيقة مع جمهورية إيران الإسلامية، التي تنظر إليها الدول الأعضاء الأخرى في المجلس بازدراء.
وأما بالنسبة لمصر، فقد أشار خشان إلى أن ذكريات المغامرة الكارثية في الخارج لا تزال حاضرة في البلاد. مشيرًا إلى تدخل الجيش المصري في اليمن بين عامي 1962 و1967، وموضحًا: “إنهم لا يريدون تكرار كارثة تورطهم في اليمن. وهذا هو السبب في أن تشكيل مثل هذه القوة ليس بالأمر السهل كما قد يتصور المرء“.
وكانت الهزيمة في ذلك التدخل إشكالية جدًا بالنسبة لمصر، لدرجة أنها سميت فيما بعد بـ “فيتنام مصر“. ومع إهدار قوتها في اليمن، رجح البعض أن تلك الهزيمة كانت سببًا أيضًا في فشل مصر الهائل في محاربة إسرائيل عام 1967.
وأخيرًا، أوضح خشان أن واحدة من المشاكل الأكثر إضعافًا لهذه القوة ستكون النطاق المحتمل لعملياتها. وقال: “المصريون يريدون جرها إلى ليبيا، وهو ما يعارضه السعوديون. والسعوديون يريدون منها حماية حدودهم الشمالية ضد داعش في العراق، وحدودهم الجنوبية لوقف الحوثيين في اليمن“.
وأكد خشان أيضًا على أن هذه الدول “تعاني من عدم الثقة المتبادلة“. وخلص في النهاية إلى أن إنشاء “مثل هذه القوة أمر غير واقعي“.
ومع ذلك، ستكون إمكانية إنشاء هذا الجيش محط الأنظار في وقت لاحق هذا الأسبوع، خلال قمة الجامعة العربية السنوية في شرم الشيخ، مصر، المقرر عقدها في 28-29 مارس. وقال نائب رئيس جامعة الدول العربية، أحمد بن حلي، للصحفيين في وقت سابق من هذا الشهر، إن مناقشة إنشاء قوة عربية مشتركة على جدول أعمال القمة. وأضاف: “ينبغي أن تكون هذه القوات جاهزة وحاضرة، بحيث يمكن أن تظهر بشكل رمزي أن لدى الدول العربية قوة ردع وقوة لحفظ السلام يمكنها أن تتدخل في أوقات النزاعات“.
صحيفة التقرير