
ليس كل من التحق بداعش في العراق أو سوريا طالب قتال، أو ساع إلى جهاد كما يقال. فعدد ليس بالقليل التهمته الأفكار المتطرفة، ليترك بلاده بحثاً عن بلد يطبق الشريعة التي فهمها.
لذا عندما نجد شخصاً يقود نساءه وأطفاله إلى عالم داعش، فليس من الضرورة أنه استقطبهم للقتال، علاوة على أن يكون هو مقاتل أيضاً.
هذه الفئة من الناس المتطرفة، أصيبت بأمراض فكرية ليست وليدة أو انتقامية أو نتيجة ردة فعل. هؤلاء نتاج خطاب فكري متجذر في الثقافة الدينية، وخلاصته في جملتين: هذه دار كفر وتلك دار إسلام. وخلاصة الفكرة عند أصحابها أن بلدانهم، ومنها السعودية، لا تعتبر من دور الإسلام.
والفكرة المتطرفة ليست حديثة على السعودية. فطوال العقود الماضية كانت هناك تجارب حية. أناس التهمت الأفكار المتطرفة ما بقي من سلامة عقيدتهم، وتركوا مدناً إلى أخرى في المملكة. رأوا في الأخيرة تطبيقاً لتعاليم دينية لم يجدوها في الأولى، رغم أن البلد واحد والنظام واحد، لكنه الجنون ليس أكثر.
ففي مدينة بريدة مثلاً، تركوا المنازل الحديثة إلى الطينية، واستبدلوا الناقة والحصان بالسيارة. أما في مسائل الأحوال الشخصية، فلا وثائق هوية. والتعليم أصبح على نظام الكتاتيب وليس في المدرسة. فالتعليم الرسمي مرفوض. ومدارس تحفيظ القرآن مرفوضة، لأنها تابعة لنظام حكومي يرونه كافراً. أما الكهرباء، فيكفي أن مخترعها كافر، فلا تستخدم.
داعش اليوم تنادي المجانين كما نادتهم القاعدة وطالبان في الأمس. فالتنظيم يحثهم على الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، وعلى إحضار عائلاتهم، نساء وأطفالاً. الفعل ذاته جرى قبل عقدين. عشرات العائلات غادرت السعودية وغيرها إلى أفغانستان عندما أطبق طالبان على الحكم. إنه موسم الهجرة إلى داعش. فأقدس البقاع باتت كافرة. وكأننا لم نتعظ رغم كل الكوارث.