هل أصاب العبادي الهدف في صلاح الدين؟

جمعة, 2015-04-03 21:11
وفيق السامرائي

ملأوا أجواء العراق بأحاديثهم عن خطط التحرير في العراق، وكلما انكفأ «الدواعش» تخرج وجوه سياسية من مخابئها للحديث عن فلسفة الحرب. وعلى مدار الأيام، كانت أصوات محددة تتحدث عن تحرير الموصل، من دون وجود لمعطيات على الأرض. وبقي وصفنا لأهمية محافظة صلاح الدين ثابتا، رغم كل المعترضين من المناطقيين وممن لم يستطيعوا الخروج من دائرة «التآمر» على وحدة العراق بدفع من أطراف معلومة. وكان هامش الخشية واردا من أن يصدق رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تفسيرات من يدّعون المعرفة وقراءة تقدير الموقف، وهم في الحقيقة يستندون إلى أوهام استغفال الآخرين. غير أن العبادي أثبت قدرة عالية في قراءة النيات وتبني أفضلها في مجال تحديد الأسبقيات.

محافظة صلاح الدين تحتل موقعا استراتيجيا، فلها حدود مع محافظات نينوى وكركوك وديالى والأنبار وبغداد، وهي وحدها - من حيث الموقع والتكوين - القادرة على ضرب مشاريع الأقلمة التفكيكية، وقد نجح الوطنيون في إحباط تسرب الفكر المناطقي الذي تبناه أشخاص من قليلي التجربة أو المفسدين والطائفيين والمدفوعين. لذلك، فإن هذه المحافظة تستحق أن تأخذ الأسبقية الأولى في التحرير بعد أطراف بغداد، التي تكامل تطهيرها من «الدواعش». وقد تبنى العبادي تقديرا صائبا للموقف، واتخذ قرارا حاسما بتطهير المحافظة ومركزها تكريت رغم حصول تقاطعات سلبية بين الدور الأميركي وقيادات الحشد الشعبي، التي كان لها الدور الأكبر في تحرير مناطق شرق دجلة وإحكام الحصار على تكريت من جهة الشرق.

الحسابات في تكريت معقدة للغاية. ومع أن الأغلبية الساحقة من أهلها تركوا بيوتهم نازحين إلى محافظات أخرى، فإن صلة المدينة بالنظام السابق جعلت الهواجس والدعايات في تصاعد مستمر، من حالات ترتقي إلى مستوى الشك حول نيات القسوة من قبل القوات المهاجمة، وهذا تطلب المزيد من القرارات الضبطية للمحافظة على من تبقى من المدنيين الأبرياء وممتلكاتهم والمنشآت الحيوية والبنى التحتية، لا سيما أن الوضع المالي يمر بصعوبات نتيجة تدني أسعار النفط.

الضوابط الصارمة في تقليل الضرر أثناء القتال قابلها انتشار «الدواعش» في المناطق المبنية وزرع العبوات الناسفة وتفخيخ البيوت، وهو ما أضاف تعقيدات إلى آليات المجابهة وقواعد الاشتباك، كما أن تجهيزات القوات العراقية لا تزال متواضعة في مجال الاستطلاع الجوي وطائرات الهليكوبتر الهجومية وطائرات الهجوم الأرضي، وهو ما يجعل قدرة التأثير أقل إيقاعا، خلاف المناطق المفتوحة التي يقل فيها هامش الحذر في استخدام الأسلحة. وفي مدينة تكريت قرر «الدواعش» قبول المجابهة، ليس لأنهم قد حوصروا وقطعت طرق هروبهم فحسب، بل لأن هزيمتهم في تكريت تترتب عليها تداعيات خطيرة في كل مناطق العمليات، فتزداد قدرة القيادة العراقية على اتخاذ القرارات الحاسمة دون تردد، وتشير تقارير خاصة إلى أن كثيرا من «الدواعش» الذين حوصروا في تكريت هم من عتاة مجرمي «القاعدة» السابقين.

عمليات صلاح الدين في أسبوعها الخامس، وستأخذ بعض الوقت ضمن الحسابات المنطقية، وستكون محصلتها كبيرة على سير الصراع، خصوصا بعد النصر العظيم بتحرير تكريت، الذي تحقق في وقت قياسي، خلاف كل التوقعات والحرب النفسية، ولا بد من التأكيد على أن قرار القائد العام العبادي باقتحام المدينة يحسب له تاريخيا وقد أصاب الهدف تماما.

وبعد عمليات صلاح الدين يرجح أن تأخذ الأنبار الأسبقية التالية، وهو ما جرى الاستدلال إليه من بين سطور القائد العام المعلنة، إن لم تحدث متغيرات استراتيجية قاهرة يصعب توقعها. وإذا ما تحقق هذا، فسيكون الهدف قد أصيب مرة أخرى في مرحلة بالغة الأهمية على كل المستويات الدولية والإقليمية والمحلية، رغم رغبات سياسيين محليين.

الصراع لا يزال مستمرا بسبب النقص في التجهيزات القتالية العراقية، والمقاتل العراقي يقاتل في ظروف صعبة، والانتصارات التي يحققها تعكس درجة عالية من الإيمان، مع أن الخسائر لا يستهان بها. وأيا تكن الظروف والمعطيات، فالانتصارات لا يمكن تحققها في الحروب الصعبة إلا باتخاذ قرارات حاسمة مبنية على حسابات دقيقة، وتشير الدلائل إلى وجود آليات صحيحة وواقعية وعلمية تؤدي إلى اتخاذ قرارات صحيحة، وتشترك في هذا خبرات عراقية وإقليمية ودولية، مما يجعل فرص الاختلاف قائمة بحكم الثقافات والنيات، ويبقى اختيار الأصح فنا من فنون القيادة، والمشورة تطلب وتقدم بلا طلب.