الولايات المتحدة وراء فوضى مجهولة في الشرق الأوسط

ثلاثاء, 2015-04-07 11:47
الرئيس الأمريكي باراك أوباما

يعيش الشرق الأوسط اليوم حالة حرب. وقد سارع التضارب في استراتيجيات إدارة أوباما في دخول المنطقة في هذه الفوضى. لا يمكن إرجاع الفوضى العامة التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط كلها إلى إدارة أوباما؛ إلا أن سياسته الخارجية في المنطقة عرفت فشلًا ذريعًا.

العراق وسوريا وليبيا واليمن..

أصبحت اليوم الفوضى في مستويات غير معقولة، فللمرة الأولى منذ الحربين العالميتين، جميع البلدان تقريبًا من ليبيا إلى أفغانستان تعيش نزاعات مسلحة (باستثناء سلطنة عمان). هذه الفوضى سببها تضارب التحالفات مع عدم تماسكها.

في العراق وسوريا تقاتل الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى جانب إيران لهزيمة تنظيم داعش، ولكن في اليمن فإن الولايات المتحدة والعديد من شركائها الإقليميين يتعاونون من أجل دفع القوات الحوثية التي تدعمها إيران.

وفي مواجهة إيران، فإن إسرائيل والمملكة العربية السعودية هما تمامًا على نفس الموجة، ولكن بقية الصراعات القديمة والعميقة لا تزال قائمة.

وتدعم إيران نظام الأسد في سوريا. وتأسف الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون من هذا الدعم الإيراني، ولكن في نفس الوقت يسمحون بوجوده، في حين أن بعض الفصائل المتمردة والمدعومة من الولايات المتحدة في قتالهم ضد تنظيم داعش تسعى (منذ فترة طويلة) للتصدي لهذا الدعم.

وبالتالي؛ فنحن نواجه مجموعة من العمليات التي من المنتظر أن تكون عواقبها وخيمة، وهو ما يفسر أن العديد من الأمريكيين يريدون الخروج من هذه المنطقة في أقرب وقت ممكن. ووفقًا لهم فإن الفوضى التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط تتجاوز قدرات تحكم بلادهم، باعتبار أن العداوات المحلية ومعظم الصراعات الحالية ليست لها أهمية كبيرة على حياة الأمريكان اليومية.

صحيح أن الانقسام بين السنة والشيعة، يعود لأكثر من ألف سنة، ويلعب دورًا هامًا (على الرغم ربما من المبالغة فيه) في تجزئة اليمن وفي الانقسامات التي ساهمت في انهيار الدولة العراقية وظهور تنظيم داعش.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنه لا يمكن إنكار أن العديد من الانتفاضات الحالية سببها تعاطي الدول الاستبدادية الفاسدة. وعدد كبير من هذه المشاكل الحالية يمكن إرجاعه أيضًا إلى أخطاء قادة الإمبراطورية البريطانية وإلى اتفاقيات مثل اتفاقية سايكس بيكو التي أصابها التقادم بعد ما يقرب من قرن من وجودها. ولا ننسى أن غزو العراق من قبل بوش زاد في تعكر الأمور. ناهيك، بطبيعة الحال عن بنيامين نتنياهو، الذي لا يمكن أن يكون أكثر من أحمق.

وبالإضافة إلى ذلك، يرى أنصار فك الارتباط مع الشرق الأوسط، أن أمريكا لديها النفط ولديها الغاز. وهكذا فالأمريكان لم يعودوا في حاجة إلى الشرق الأوسط مثل ذي قبل. كما أثبت الأمريكان جهلهم في كل تدخل عسكري وفي بناء الدولة (في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى).

سبق وأن قال أوباما إنه سيفك الارتباط

إذًا ما السبب الذي يمنع الأمريكان من الخروج من منطقة الشرق الأوسط؟ أليس هذا ما نادي به أوباما خلال حملته الانتخابية؟

صحيح أن أوباما دعا لإنهاء الحرب في العراق وأفغانستان، إلا أن أمن أمريكا ضد التهديدات المحتملة من هذه المنطقة لا يزال من مسؤوليتها. وكرئيس، فهو يتحمل مسؤولية الدفاع عن المصالح الأمريكية في جميع أنحاء العالم. هذه المصالح التي تلزم أمريكا بالبقاء في الشرق الأوسط.

أما من حيث الطاقة، فبالرغم من أن لأمريكا احتياطياتها الخاصة وبكميات كافية؛ إلا أن تحديد أسعار الطاقة يكون في السوق العالمية، مما يعني أن كل تغيير في هذه السوق سيكون له تأثير في الاقتصاد الأمريكي.

وبالتالي؛ فإن تفاقم حدة الصراع في المنطقة يمكن أن يكون له عواقب عالمية خطيرة للغاية. وهكذا يمكن أن تنتشر الحرب بين السنة والشيعة.

ويزداد نفوذ تنظيم داعش في جميع أنحاء المنطقة مستفيدًا بذلك من هذه الفوضى، على غرار تنظيم القاعدة، وجبهة النصرة في سوريا، وفجر ليبيا أو حماس. كما يمكن أن يصبح الوضع في ليبيا وبسهولة مشابهًا للوضع في اليمن، مما سيتسبب بالتأكيد في تدخل إقليمي على غرار ما يجري حاليًا من تدخل المملكة العربية السعودية في اليمن.

تقسيم الدول مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا، سيغير بالتأكيد من ميزان القوى الإقليمية ولا سيما إذا كان وراء إقامة دولة (أو دول) على غرار ما يهدف إليه تنظيم داعش من إنشاء دولة في العراق وسوريا، ما سيجعل المنطقة بؤرة للتطرف.

دروس الماضي

علمتنا أحداث 11 سبتمبر أن المشاكل التي قد تبدو بعيدة يمكن أن تتسلل وبسرعة إلى شوارع الولايات المتحدة وحلفائها من الغرب.

وقد شهدنا صعود تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا. وها هو اليوم تنظيم داعش ينتشر في أفغانستان ونيجيريا، فهاهي بوكو حرام قدمت ولاءها لهذا اللاعب الجديد والنشط في مجال الإرهاب.

ووجد مقاتلو هذا التنظيم المجندين في أوروبا أو في الولايات المتحدة والذين سيعودون بالتأكيد إلى وطنهم لنشر الفوضى. وعلاوة على ذلك، فإن الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في المنطقة مثل إسرائيل والأردن يواجهان أيضًا خطر هذه الفوضى الكبيرة. وإذا ما ضعفت مواقعهم، ستضطر وقتها الولايات المتحدة لمزيد من الاستثمار في المنطقة، مما سينجر عنه تكلفة باهضة.

هناك أيضًا عوامل جيوسياسية ضخمة في اللعبة؛ فاستمرار الفوضى لفترة طويلة مع وجود حكومات ضعيفة سيجعل من الصعب مراقبة وإدارة التهديدات التي تعيشها المنطقة.

ولكن في النهاية، وعند نهاية هذه الحروب، ستنشأ حكومات وطنية جديدة وسيكون النفوذ الأمريكي مرتبطًا بمدى تدخل الولايات المتحدة، وبشكل مباشر، في دعم هذه الحكومات.

وفي الوقت نفسه، إذا كانت الولايات المتحدة تريد فك الروابط أو أن تكون عاجزة على القيام بدور فاعل في المنطقة، وقتها سيكون تأثيرها في هذه الحكومات الجديدة منخفضًا، إن لم يكن انتفى. وإذا ضعف النفوذ الأمريكي في المنطقة فإن دولًا أخرى ستحل محلها ما ستكون له تداعيات مؤسفة.

مسؤولية البيت الأبيض

إذا كانت إدارة أوباما ليست المسؤولة عن معظم الأسباب التي كانت وراء الفوضى الحالية في الشرق الأوسط؛ إلا أن ذلك لا يعفيها من أن قراراتها وخياراتها، في غياب لأي إستراتيجية شاملة، كان وراء تفاقم الوضع.

في العراق، وعلى مدى العامين الأخيرين لإدارة بوش، كان الوضع في استقرار وتحسن، ولا سيما من خلال تعزيز القوات في عام 2007، مع مزيد من الاهتمام بالسنة ومع المشاركة الفعالة للرئيس وللمسؤولين الحكوميين لإيجاد الحلول للمشاكل التي تعيشها البلاد. وهكذا، فقد كانت الأمور تسير في الاتجاه الصحيح؛ إلا أن قرار أوباما في تعجيل رحيل القوات الأمريكية كانت له نتائج كارثية؛ فعدم الاهتمام بالحكم السيئ للمالكي وانتفاضة بعض أهل السنة، ثم صعود تنظيم داعش، زاد في تفاقم الوضع.

ومن الواضح أن الفشل الذريع للرئاسة الأمريكية تمثل في التردد وفي أخذ القرارات مع تجاهل توصيات فريقه عن الاضطرابات المتنامية في سوريا. كما أن ردة الفعل المرتبكة خلال الربيع العربي من قبل إدارة أوباما ساهمت في إضعاف خطير للعلاقة الحيوية بين الولايات المتحدة ومصر.

وما التناقض الذي عرفته قرارات أوباما لحل الأزمة في ليبيا إلا مثالًا آخر على هذه الأخطاء في الحكم التي تتسبب في الكثير من المشاكل.

الدور الإيراني

سخرية سنوات حكم أوباما، أنه دعا إلى تحسين العلاقات الإقليمية مع العالم العربي؛ إلا أنه في نهاية المطاف تحسنت العلاقات ليس مع العرب، ولكن مع الفرس.

خلال السنوات الأولى من حكم أوباما، كانت هناك دعوة إلى تشديد العقوبات المفروضة على إيران بشأن ملفها النووي؛ إلا أنه في مرحلة ثانية أصبح هناك تعطش أمريكي إلى إيجاد اتفاق نووي.

هذا التطور، الذي لم يرافقه تنسيق كاف مع حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في المنطقة، إسرائيل ودول الخليج، القلقين بشأن هذا التقارب بين الولايات المتحدة وإيران خاصة مع الكشف عن أن إيران هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي يمكنها الاستفادة من انتشار الفوضى.

كما أن العالم يعرف أن إيران هي المستفيد الوحيد من التحالف الأمريكي ضد تنظيم داعش. ما ساهم في تنامي عدم الثقة من إدارة أوباما، من الحلفاء الرئيسيين في الخليج ومصر وأماكن أخرى، ما دفعهم إلى التفكير بأن عليهم أن يتصرفوا من تلقاء أنفسهم في اليمن لموازنة المكاسب الإيرانية. وهو ما جعل الولايات المتحدة تؤيد كل معركة ضد الحوثيين في اليمن.

وفي الوقت نفسه، فإن المفاوضات بشأن النووي الإيراني تسببت في تدهور العلاقات مع إسرائيل إلى أدنى مستوياتها التاريخية.

في الواقع، يمكن القول بأن أصل الفوضى الحالية في الشرق الأوسط هو الخيارات السيئة، والإدارة السيئة والدبلوماسية المعيبة، والمذنب الأكبر هو التنافر الاستراتيجي. فمن الواضح أن الأمريكيين لا يعرفون حقًا مصالحهم كما يفتقدون لرؤية واضحة للمستقبل في المنطقة.

صحيفة التقرير