توسيفات ثوريّة: خواطر مارقة

خميس, 2015-04-09 13:28
عالي الدمين

ذات يوم، سأسعى لتكوين جيشٍ من الفقراء الطاهري السريرة، متقدي الوجدان، المالكين للمعنى. وسأخوض حرب تحرير، ثوريّة النّزعة طبقياً، إصلاحية إجتماعياً. سأكون سبارتكوساً ومزدكاً وحمداناً آخرَ على نحوٍ مُغاير، سأكون مثل مولانا عبد القادر الكيلاني، آه. لقد آن وقتي. سأمتطي حصاني الأيبض اللّون وسأظهرُ نجمي اللاّمع، وأنشئ مملكة العدل العالية، فأنفي الفقر والغنى معاً. ستكون الأرض مرجعنا، فينتشر الخير وينعدم الجوع وينتفي الظلم. ستكون مملكتي الفضيلة كما هي مملكة عيسى (ع) لامكان فيها للأغنياء الفاقدين للمعنى، أولئك مُتصلبي الوجدان، فردانيي الرؤية على نحوٍ ضيّق يُشوّه الوجود ويزيد من كارثيّة الحال. أي نعم .

شأشيع المال والكتاب، مع كرهي للأوّل وحبي للثاني. أخيراً سيتصالح الإنسان والطير المُغرّد، فترجع الحقول عامرة بالجمال الأول المكتظِ بساطةً مُدهشة. وأنا في طور ثورتي الخالدة تلك مع قومي العظماء سيسود التراحم ويغيب التعاقد، فهنا يكفى مكسباً أن الإنسان لحظتها كسبَ نفسه و تحرر من عبودية الأشياء التافهة، تلك التي طوّلت الطريق وعقدّت عمليّة الوصول للجوهر العميق القابع فينا .
حين أتقدّم جيشي العظيم سعياً لخلق مدينتنا اللاّمتحققة، وأنا القائد البسيط سلفاً الموثوق به. سأشير لهم أن أتبعوني وأنتم لراياتكم المشتعلة ثورةً رافعين، وأن ضُموا أخوتكم الآخرين إليكم، حرّروهم، أعطوهم من المعنى الذي معكم، وبين أيدكم. إنّها معركة تحرير شاملة، وليتبعني نصفكم، فسنذهب لإنتزاع الأموال من عند ذوي الكروش الضخمة، وحين ننتزعُ الأموال ونشيعها بين النّاس، فيذهب الجوع، وتكتسي الأجساد العارية وينعدم الشحاذون، سنذهب بهم لسجنهم حتى يدفعوا ضريبة جريمتهم الكبرى، إننّي وجيشي لانسلبُ روحاً ولانضرّ مخلوقاً من ناحية حياته. إننّا مُسالمون، سلميّون. نعطي الحياة، ولانسلبُها، فكيف يُسلب الظافرين بالمعنى الكامِل بعضاً منه .
وحين تتحق الثمرة الأولى لثورتي المجيدة. ستزداد السماء صفاء، والنّجوم ضيّاءً، والأكواب لمعاناً و دوراناً سريعاً، رقصاً على نفسها مُشاركةً في ذلك الإحتفال الكوني البديع، وهناك على الأرض حيثُ الكرامة نغم الإحتفال الأبرز ستتصاعد ضحكات الأطفال العامرة بالفرحة الساذجة، وزغاريد النّساء النغميّة، ثم ولولات الرّجال الجهوريّة الصوت. وأنا هناك بينهم أرقص غائباً، وهم من حولي يصفقون. ويشاركون الموجودات الأخرى دهشتها من شدّة الفرح، ياللإنتصار ! .
في مملكتي كلّ شيء جميل، لامكان للتمييز على أساسٍ ديني لوني، أحرى طبقي، فالطبقيّة كانت قد انتفت في أول جلبة لتحركنا العظيم حين عمدنا إلى نفي الفقر والغنى وكلّ التمظهرات المتعلقة بهما .
وبعدُ لمّا الخيرُ يسود مملكتي الصغيرة، حيثُ لاوجود للمسخرة الجنونية لاهوتياً: داعش ولامن هم على شاكلتها من هواة التكفير المُتبادل والتعصب المُضاد، سيسقط علينا جيش من الظلام القوّي البنية الوحشي السلوك، ويتمدد على النّور السائدْ عندنا، فيطفئ نار السعادة الفاضلة في بدايتاتها. فأعلق -أنا- صلباً على أعمدة بوابة مملكتي البرتقالية اللّون والأصل، وتقطع أوصالي، وتُحرق بقاي هيكلي الجسمي، فيكون مصيري مصير شيخي الحلاج، ذلك العارف الأول بالمطلق وخيريّة القضيّة. إنني حينُ ينفثُ رمادي في أنهار الأرض التي تصالحتُ معها بدايةً، سيبقى المعنى الذي خرجتُ من أجله باقياً في ثنايا الموجودات، رغم أني غير موجود أرضياً حينها. وبقيّة أهل مملكتي سيبقون موصولين بالمعنى دوماً، رغم سواد اللاّمعنى و إنتشار الظلام ورجوع الحال كما كان عليه سابقاً. إنّهم وفيّون لروح معلمهم السارية في أعماق الموجودات، إنهم على الدرب أبداً يسيرون لتحقيق الثورة، أو ذاك المعنى الأبدي المقموع دوماً من لدن الأشرار في هذا العالم .

هذه توسيفات جنونية لنبي آخر منبوذ وهي قيد الشُغل مامنّ الحق ببقية حياة، ونبوّة الغرباء تستمد معناها وقيمتها من فشلها، قدرها الكوني ذاك اللّعين. سلامٌ على أهل المعنى وطُلاب المعنى، والختام. سلاماً أبدياً، صافياً، نورانياً، مصبوغٌ بأفضليّة الحق الأولى، وحُريتِه الكُبرى.

مدونة الكاتب