موريتانيا وعين الإعصار

أربعاء, 2014-10-22 08:07
محمد المختار ولد احمين اعمر

من ولاية آدرار ذهبت جماعة من أبناء شمس الدين سيرا على الأقدام لأداء فريضة الحج وبعد عودتهم جلبوا شجرة نسبهم وحجرا من البقيع الطاهر أسسوا عليه مسجد أطار العتيق.

ولما انتشر خبر الشجرة وتباشرت الجماعة بصحة شرفها، جيش " تيزكه " من حي كنوال طابورا من الحمير وحملوا أمتعتهم وجابوا الشوارع الرسمية للمدينة ولَمَّا سئلوا إلى أين هم ذاهبون؟ أجابوا بأن أبناء شمس الدين أصبحوا شرفاء وتركوا مكانتهم شاغرة وعليهم هم ملؤ ذلك الفراغ حتى يأتي دورهم من الشرف.

اعتقدت "تَيْزڰ" أن الحدث سيمر مر الكرام دون أن يدركوا أن أبناء شمس الدين قد أصروا على "التَّزَبُّوتْ"سلفا. مرت فترة وفرض أمير آدرار ضريبية قاسية على الساكنة، ولقلة ذات اليد آنذاك، اجتمع أقوامُ تيزكه وقرروا الإتصال بالأمير والإجتجاج على الضريبة لتخفيفها عنهم وعينوا لذلك الغرض جماعة من أعيانهم أطلقوا عليها إسم "المشيخة".

كانت الضريبة عبارة عن جلد شاة ملئ بالتمر يعرف "بالشنه". ولما وصلت الجماعة "حلة" أهل احمد ول عيده، وجدوا الأمير نائما فمكثوا بجواره داخل الخيمة حتى استيقظ. وقبل أي حديث نظر إليهم باستياء شديد ومد يديه لفرقعة أعصابه ثم أردف قائلا: ماذا تريدون؟ قالت الجماعة وبصوت خافت: لقد جئناكم يا سيادة الأمير لأننا استنقصنا الضريبة وقررنا أن نضيف عليها "آڰرط" من الدهن الخالص. لتشتهر الحادثتين فيما بعد ب "شرف اسماسيد ومشيخة تيزكه".

كانت "التزبوت" تنقسم إلى نوعين: تزبوت الطلبه وهي باطنية، وتزبوت لعرب وهي ظاهرية. فالنسبة للأولى عندما يتأذى الخصم في أي ظرف زماني أو مكاني يعتبر الطالب أنه هو السبب، أما بالنسبة للثانية فعندما يسدد العربي لخصمه لكمة على الأنف يعتبر أنه زباهُ، ولذا عُرفت ب "تزبوت لعرب اطيح فازرب". وفي سياق متصل، ناضلت المعارضة الموريتانية خلال عشرين سنة لإزاحة نظام ولد الطايع حتى أسقطوه. ولما تحقق الحلم ظنوا أنهم بلغوا الهدف فشكلوا جماعة للحوار مع قادة الإنقلاب وكان من بين مراميها وضع حد للإنقلابات وتسليم السلطة للمدنيين عبر انتخابات شفافة. كان الأمير آنذاك السيد اعل ولد محمد فال الذي لم يتردد في فرقعة أعصابه ليجبر بعضهم فورا على الإعتراف بالإنقلاب في سابقة من نوعها. ومنذ تلك اللحظة بدأت تزبوت المعارضة تفعل فعلتها.

جاء سيدي ولد الشيخ عبد الله على ظهر ولد عبد العزيز حيث جند لصالحه كافة الأركان والإستخبارات، والقبائل ورجال المال والأعمال حتى أوصله إلى سدة الحكم. وأرغم مسعود ولد بلخير آنذاك على التخلي عن أحمد ولد داداه والتصويت لصالح سيدي. وفي أقل من سنة وبجرة قلم أقال سيدي ولد الشيخ عبد الله جميع الجنرالات دفعة واحدة، لسوء تقديره للمشهد السياسي وعلاقات الجنرالات فيما بينهم ومن هنا كانت "تزبوت" ولد عبد العزيز. ومن المفارقات حقا في ذلك الوقت أن ينقلب سيدي ولد الشيخ عبد الله على محمد ولد عبد العزيز بعد ما بذله من جهد لصالحه وأن ينضم خصوم سيدي للطابور المؤيد له غداة سقوط هذا الأخير. تمت الإطاحة بسيدي ولد الشيخ عبد الله وبدأت "تزبوته" من هنا؛ حيث لم يستفد من هذه التجربة سوى الجنرال السيسي الذي التقط الإشارة في الوقت المناسب ليطبق نفس السيناريو على شعبه فيما بعد.

قبل إعلان مرسوم إقالة الجنرالات قرر سيدي ولد الشيخ عبد الله تعيين الجنرال مسغارو ولد اغويزي على رأس قيادة أركان الحرس الوطني ليبلغ هذا الأخير على عجالة الجنرال محمد ولد عبد العزيز وهي المعلومة التي أتاحت له فرصة التصرف بعجالة، هو ورفاقه، ومنذ هذه اللحظة بدأت "تزبوت" الجنرال مسغارو تتفاعل.

عُرفَ أولاد الناصر عبر العصور بحبهم للمرح ونبذهم للكآبة والكدر وفي أواخر الشهر الماضي يقال أن الجنرال مسغارو ولد اغويزي سافر إلى لعيون في عطلة الأسبوع وهو شخص طيب لا تشوبه شائبة مهنية. ولما وصل المنطقة دعته إحدى الأسر في ضواحي المدينة لمأدبة غداء ووالدة الأسرة المذكورة سيدة طاعنة في السن، معروفة بالكرم والطيبوبة ومن خصوصياتها أنها لا تأكل ولا تشرب إلا في أوان خاصة بها وهي أوان مقدسة بالنسبة لللمعنية. ويَعرف سكان اعيون العتروس أن لمس هذه الأواني محظور واختلاسها كارثة. وبما أن الجنرال يعتبرها أما كما تعتبره هي إبنا، اختلس الأواني وتم إشعارها بذلك وفي نفس اللحظة كان صانع تقليدي يجلس ضمن الجماعة فأخرج مسدسا وأطلق رصاصتين فوق رأسه. كان يوما ممتعا بامتياز ويندرج في صميم ثقافة المجتمع.

ليس المرح ولا المزاح جرما في مجتمعنا وخاصة ساعات الفراغ ولولا ذلك لما أقدم "تيزكه" على فعلتهم تلك ولما تصرف أمير آدرار بتلك العنهجية، لكن الرعية على قلب الأمير، وأميرنا الحالي لا يمزح ولا يمرح. فمتى يا ترى ستدرك المعارضة أن ولد عبد العزيز لا يمزح لكنه ليس بدرجة السوء التي يتصورون؟ ومتى ستدرك أن العسكري بطبيعته لا يقبل القهر وأن الرجل مستعد ربما لأي شيء سوى المراوغة والقهر؟

لقد مرت ست سنوات أنهكت المعارضة وشوهت إنجازات النظام وعطلت عجلة التنمية بما فيه الكفاية وأرهقت الحاكم والمحكوم، لتتجذر أزمة ثقة مستدامة دون أن يلوح في الأفق خيط يجنب البلاد ويلات الحروب الأهلية والتدخلات الخارجية. وهل ينبغي أيضا أن تضيع أربع سنوات أخرى وربما أكثر على حساب الإستقرار والتنمية حتى تتجذر داعش ونظام القاعدة ويضعنا الغرب في عين الإعصار في ظروف نظامنا منهك ومعارضتنا مريضة ونسيجنا الإجتماعي مفكك.

• ألا ترون معي يا معشر البيظان أن الوقت قد حان لوضع حد لنهبكم وتكديسكم للأموال على حساب الآخرين والدولة؟

• ألا تدركون أن سر ضعفكم كامن في عدم وطنية بعضكم وحبه للمال؟

• هل أمنتم أنفسكم وأموالكم حتى تجزموا أنكم الأقوياء؟

• أما رأيتهم الأغنياء يتوسطون طوابير اللاجئين؟

• ألم تروا المرأة التي وضعت جنينها يوم أمس على الرصيف في مصر وأمام مستشفى لتردي الخدمات الصحية؟

• ألا ترون معي يا معشر الزنوج أنكم أقلية ذاقت مرارة الموت إبان أحداث 1989م ولا مصلحة لكم في الانفصال والحروب الأهلية التي ستؤدي حتما إلى تهجيركم؟

• أما حان الوقت أن تتوقفوا عن مطالبتكم بمحاكمات الضباط وإثارة النعرات بعدما قامت به الدولة والمجتمع من مجهود لصالحكم وعلى حساب الجميع؟

• ألا ترون معي أن التعايش السلمي يخدمكم أكثر من غيركم؟

• ألا ترون معي يا معشر الحراطين أنكم فئة طالها الظلم والتهميش والفقر ولا مصلحة لكم في التحريض والتطرف وأنكم ضعفاء ماديا وفكريا وعسكريا وفي حالة الإنزلاق ستكونون الخاسر الأكبر؟

• ألا تدركون أنكم الفئة الوحيدة المجبرة على البقاء لعدم وجود أقارب لكم في الجوار؟

• ألا تدركون أن عبر اتحادية الرماية قد تم تسليح وتدريب أغلبية البيظان؟

• ألا ترون معي أيها السادة زعماء المعارضة ما آل إليه السيسي والإخوان في مصر والثوار الليبيون والسوريون واليمنيون؟

• ألم تشاهدوا التلفاز هذه الأيام؟ وهل تدركون أن ولد عبد العزيز قادر على البقاء في السلطة لخمس سنوات كمنتخب وخمس سنوات بالبراميل المتفجرة وخمس سنوات أخرى إضافية عبر التفاهمات؟

• هل اتفقتم على رأس حائز على الإجماع حتى ينتزع السلطة من الرجل في حالة العصا السحرية والقبول بانتخابات رئاسية سابقة لأوانها؟ أم تعتقدون أنكم لستم معنيون ولا مسؤولون عما سيحدث لا قدر الله؟ وكأن الدولة الفاشلة ستفرز لنا نظاما أحسن من نظامنا الحالي؟

• ألا ترون معي أيها السادة قادة المؤسسات العسكرية والأمنية أنكم على أبواب ورطة كبيرة؟ ألم تشاهدوا ما قام به الحوثيون بعد فشل الدولة؟

• ألا ترون معي أنه عندما تنتهي آمريكا والغرب من الشرق الأوسط الجديد سيأتي دور المغرب العربي قبل الخليج وعلى رأسه موريتانيا؟ ثم إلى متى ستظلون قادة ظل تحكمون بلا أيادي؟

• ألا ترى معي يا أخي وصديقي السيد رئيس الجمهورية ما آل إليه مصير مبارك والقذافي وعلي عبد الله صالح وزين العابدين بن علي؟ أم تعتقد أن النظام الموريتاني يتوفر على مناعة خاصة به كما ردد هؤلاء كلهم قبل الإطاحة بهم؟

• ألا ترون معي أيها الساسة والمثقفون العظام أن مناخنا السياسي ينذر بالمجهول وقد تجلت ملامح ذلك في الصمت السائد حاليا؟ رجاء لا تلوموني فأنا خائف على بلدي من "تزبوة" من نمط آخر.

لقد أقمنا ثورة استمرت لسنتين لم يضرب ولد عبد العزيز شعبه بالطائرات ولا البراميل المتفجرة، لم يزج بساسة البلد في السجون، ولم يستخدم سوى العصي ومسيلات الدموع. علينا إخوتي وزملائي في المعارضة أن نتدبر ونتبصر.

أنا لست مع ولد عبد العزيز ولست من داعميه، بل وأكثر من ذلك صوت ضده وهو على علم بذلك، إسألوا خصومي في المقاطعة: النائب محمد المختار ولد الزامل، والشيخ محمد يحي ولد عبد القهار، لقد عاش هؤلاء الواقعة لما اجتمعت بأنصاري يوم الإقتراع في أوجفت وبعد تأديتي لواجبي الانتخابي في الرئاسيات الأخيرة وصارحتهم أمام مكتب التصويت بأنني لم أصوت لصالح الرجل وأنهم أحرار في توجهاتهم. ورغم ذلك استقبلني الرجل بعد الرئاسيات ثلاث مرات وأنا من كتب المحاكمات الصورية التي أبطالها رجال الأعمال وأبو الأبناء ودفاعهم الشهير والد السيدة الأولى. وهي محاكمات غاية في الإهانة وإن كان أسلوبها مهذب.

• ماذا تريد المعارضة بعد وثيقتها الأخيرة ذات الاحتمالات الثلاثة: الانقلاب – الفشل – الحوار؟ وعلى ماذا يجب أن يقع الاختيار؟ إنه باختصار لكل عاقل الحوار طبعا.

• لقد التمستُ من السيد الرئيس منذ فترة طويلة أنه:

- لن يترشح لمأمورية ثالثة

- لن يغير الدستور

- لا يمانع في حل البرلمان والبلديات

- لا يمانع في تغيير اللجنة المستقلة للانتخابات إن أراد أعضاؤها الاستقالة.

- لا يعارض أي نوع من الرقابة على العمليات الانتخابية.

- لا يمانع في إحصاء إداري ذا طابع انتخابي جديد.

• أتريدون حل الحكومة ؟ لن يقبل

• أتريدون المشاركة فيها ؟ لن يقبل

• أتريدون إعادة الانتخابات الرئاسية ؟ لن يقبل

• تفضلون البقاء على مواقفكم السابقة ؟ لن يبالي

• تعولون على مرضه ؟ إنه أصح من بصلة، كما يقال فأين المفر إذن؟

انطلاقا مما يمليه الضمير الوطني ونظرا للشعور العام بالخوف من المجهول فإنني أقترح قبل الحوار لقاء مباشرا، شخصيا ذي طابع غير رسمي بين شخصيات المعارضة من دون عناوينها ومحمد ولد عبد العزيز حتى يذهب الغل ويزول الجفاء. وأنا القائل للفُلان أيام كنا نحاول خلق تأمين اجتماعي مبني على وشائج القربى ما نصه:"بينما أنا سائر في الغابة رأيت ما اعتقدت أنه أسد ولما اقتربت منه وجدته إنسانا ولما اقتربت منه أكثر وجدته أخي".