حروب الطائفة… نهاية العروبة

جمعة, 2015-04-10 00:45
 خالد الشامي

إنه زمن الفتنة الأكبر في تاريخ العالم العربي، مع ازدهار الطائفية وهيمنتها على الخريطة، عسكريا وسياسيا وثقافيا، في أكثر من بلد، حيث لم يعد ممكنا تحليل مسارات أي صراع سياسي من دون تفسير طائفي لسلوك أطرافه. 
إنها العودة الصريحة الى حرب القبيلة والطائفة في القرن الواحد والعشرين. «الحرب في اليمن طائفية»، البعض، مثل إمام الحرم المكي، يعلنها صراحة، من دون مواربة، او «حرب للدفاع عن الدين»، كما أكد العاهل السعودي الملك سلمان في تصريحات قبل يومين، ما يجعل حديث السفير السعودي في واشنطن عن ان «الحرب في اليمن ليست بين السنة والشيعة» يبدو كمحاولة يائسة لتجميل مشهد خطير، بل مأساوي أيضا. 
وليست هذه الحرب إلا تتويجا لصراعات سياسية على السلطة والنفوذ في جوهرها، الا انه يجري تلبيسها ثوب الطائفية، حشدا للعواطف واستجلابا للتمويل والتسليح. حرب اعلامية نفسية لا تتورع عن التلفيق والتدليس في صياغة الأخبار، حتى اصبح صعبا على المواطن العربي ان يجد مصدرا مهنيا متجردا للاخبار، بل انها تقوم بـ»تزيين» بعض الارهاب، باعتبار انه ينتمي إلى «طائفتنا»، ما يجعله افضل من الارهاب الذي تدعمه «الطائفة الاخرى». 
حرب تنتفي معها قيم النضال من اجل الحق والتحرر، أو حتى القومية والعروبة، التي طالما كانت الاساس لحروبنا ضد الاستعمار والاحتلال، لتبقى الطائفة دون غيرها المبرر والغاية والوسيلة في آن. 
ومع سقوط نحو ثلاثة آلاف يمني بين قتيل وجريح، حسب منظمات دولية، ومع دخول العاصفة الجوية التي يشنها التحالف بقيادة السعودية الاسبوع الثالث، من دون ان يظهر ضوء في آخر النفق، يبدو حتميا طرح اسئلة مشروعة بشأن ما تخبئه هذه الحرب من مآلات، ليس لليمن فحسب بل للاقليم بأسره، ومنها:
1 – ما مدى تماسك التحالف بعد اسبوعين فقط من بدء العمليات، امام السيناريوهات الخطيرة لتطوير «عاصفة الحزم» الى تدخل بري، وارسال ايران سفنها الحربية الى خليج عدن؟ 
2 – هل من ضمانات حقا بأن التدخل البري سيحول «الحزم» الى «حسم»، أم ان اليمن سيتحول الى اكبر ساحة مفتوحة للقتل عرفها التاريخ عبر حرب الشوارع والعصابات، بالنظر الى وجود ما لا يقل عن خمسين مليون قطعة سلاح في ايدي عامة الشعب، بعضها عتاد حربي يتراوح من متوسط إلى ثقيل؟
3- هل ادرك بعض اطراف ما يسمى بـ»الحلف السني» هذه الحقيقة، ما ادى الى مسارعة الرئيس التركي رجب اردوغان الى زيارة طهران، واعلان انحيازه للحل السياسي من هناك، بعد تشديد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على ان اي مشاركة برية مصرية ستكون «دفاعية من باب الوقوف مع الاشقاء»، ما يعني عمليا ارسال قوات الى السعودية وليس الى اليمن؟ 
4- ما مدى واقعية المقترحات الخليجية لانجاز «الحل السياسي» في ظل تمسكها بأن يعلن الحوثيون استسلامهم، وان يسلموا اسلحتهم، في تجاهل لثقافة اجتماعية متجذرة، تجعل حيازة السلاح الشخصي جزءا من شرف الانسان وكرامته؟
5- هل ستكون دول الخليج اكثر أمنا، اذا نجحت في القضاء على الحوثيين ومعهم اغلب وحدات الجيش اليمني، فيما تترك تنظيمات ارهابية مثل «القاعدة» لتملأ الفراغ بالاستيلاء على محافظات بأكملها تتيح لها اعلان «دولتها»، التي لن تحفظ الجميل لأحد؟
6- كيف ستؤثر الحرب في اليمن على خريطة تحالفات القوى الاقليمية وصراعاتها؟ خاصة العلاقات بين اقطابها مثل مصر والسعودية وايران وتركيا؟ واخيرا هل يكشف الاقتراب من نهاية الطريق المسدود الخلل الذي ساد اسلوب شن هذه الحرب او قلة التحضير لها؟
الواقع ان الاسئلة الملحة لا تكاد تنتهي، الا ان الاجابات المباشرة او السهلة تبقى صعبة وشحيحة، إن لم تكن مستحيلة. والشاهد أن خيار الحسم العسكري لن يكون «افضل حظا» في اليمن منه في بلاد اخرى، تطحنها المعارك منذ سنوات، دونما بارقة أمل في توقف حمام الدم. 
والمؤكد ان «المشرحة ليست في حاجة الى مزيد من القتلى» (حسب المثل المصري) في هذه الخريطة الغرقى في دمائها فعلا، خاصة ان تصاعد ألسنة النيران في اليمن لا يمكن الا ان يهدد باشعال حروب اخرى في محيط يشبه «برميل بارود طائفي». 
ولايمكن هنا تجاهل تصريحات الرئيس الأمريكي باراك اوباما الاخيرة التي اكد فيها ان الاخطار الحقيقية التي تتهدد دول الخليج انما تكمن في داخلها، وليست من خارجها. وهذه التصريحات، بل التحذيرات لا يمكن الا ان تكون مبنية على معلومات مخابراتية دقيقة، بالنظر الى ما يمثله استقرار تلك الدول بالنسبة الى المصالح الامريكية في المنطقة. وهي ربما تتفق مع منطق الامور، فقد تجاوزت الصراعات في المنطقة نموذج الغزو العراقي للكويت، الى مرحلة جديدة من «التفجير من الداخل» عبر حروب مخابراتية لا تتورع عن استخدام العوامل الدينية او الطائفية او الاجتماعية. 
وهكذا فان التحصين الدفاعي المطلوب لحماية دول الخليج من «المد الايراني»، ليس عسكريا فقط، على اهميته، ولكنه سياسي وحقوقي وثقافي واقتصادي في الاساس.
ويبدو ان الاستعجال في تشكيل التحالف عشية انعقاد القمة العربية في شرم الشيخ، اهمل توقع المعوقات والاشكاليات التي ظهرت على السطح مؤخرا، بعد ان استهدف التفرد بالقيادة العملياتية، أملا في ان تكرس قيادة سياسية واستراتيجية سعودية اقليميا. 
لقد حان للعرب ان يعيدوا حساباتهم، وان يدركوا المعطيات الجديدة التي تحكم قرارات الحرب والسلام في عالم اليوم. واذا استسلمنا هنا، ولو مؤقتا للقاموس الطائفي السائد في بعض وسائل الاعلام العربية، فصحيح ان تركيا «السنية» تحتاج الى علاقات جيدة مع السعودية، لكنها ليست على استعداد لمعاداة ايران «الشيعية»، التي تخطط لان يبلغ التبادل التجاري معها ثلاثين مليار دولار بنهاية العام، ناهيك عن ان تدخل معها «حربا دينية او طائفية»، وهي القوة النووية المعترف بها دوليا الان، وليس فقط قوة عسكرية اقليمية عظمى. 
اما بالنسبة الى مصر، التي حاربت بقوات برية بالفعل من قبل في اليمن والكويت لاهداف عروبية قومية حصريا، فان تأييد «الضرورة» لـ»عاصفة الحزم»، لا يعني حتما ان تتورط في حرب طائفية او دينية. 
وعلى الرغم من عدم وجود برلمان في مصر حاليا، الا ان المجتمع المدني ووسائل الاعلام والرأي العام كانت دائما اقوى تأثيرا في قرارات كهذه من كافة المؤسسات، بما في ذلك رئاسة الجمهورية. وهذه ترى ان التضحية بدماء الجنود المصريين في حرب «طائفية» تجلس فيها مصر في المقعد الخلفي، في تناقض مع حقائق تاريخية وجيوسياسية لا يمكن تجاهلها، سيكون بمثابة «اضافة الاهانة الى الجرح» حسب المثل الانكليزي.
نعم انها لفضيلة ان تعود دول التحالف الى الحق، بأن تمنح الحل السياسي فرصة جديدة في اليمن، بدلا من الاندفاع الى جحيم حروب الطائفة التي تعيد الاقليم الى العصور الوسطى، وتقضي على مفهوم العرو