يبدو أن الضربات الجوية، وبعد أسبوعين من بدء الحملة العسكرية بقيادة السعودية في اليمن، تسرع في تجزئة البلاد إلى قبائل وميليشيات متحاربة، في حين لا تفعل شيئًا يذكر لتحقيق هدف إعادة الرئيس اليمني المخلوع إلى السلطة، وفقًا لما قاله محللون وسكان للواشنطن بوست.
ويقول محللون إن الحوثيين مضوا قدمًا في هجومهم، ويبدو أنهم قاموا بحماية العديد من مخزونات الأسلحة الخاصة بهم من قصف التحالف. وقد أودى الصراع بحياة مئات الأشخاص، وأجبر أكثر من 100 ألف شخص على الفرار من منازلهم.
وتخلق المعارك بشكل متزايد المشاكل التي تتجاوز المتمردين المعارضين للرئيس عبد ربه منصور هادي والقوى الداعمة له. وقد قلل الصراع من إمدادات المياه والمواد الغذائية المتاحة في بلد يعاني بالفعل من مستويات خطيرة من سوء التغذية، وخلق فراغًا أمنيًا سمح بتقدم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (AQAP). ويقول محللون إنه بالنسبة للحكومة السعودية وحلفائها، قد تتحول العملية العسكرية في اليمن إلى مستنقع.
وقال جون ألترمان، وهو مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: “عامل تغيير اللعبة المحتمل في كل هذا ليس مجرد تشريد الملايين من الناس، ولكن هذا الانتشار الهائل للمرض والجوع وعدم إمكانية الوصول للمياه، جنبًا إلى جنب مع بيئة تعمل فيها الجماعات المتطرفة بشكل مفتوح وتقوم بالتجنيد على نحو متزايد“. وأضاف أن الصراع في اليمن قد يصبح صراعًا “لا أحد يمكنه معرفة من الذي بدأه أو كيف يمكن وضع حد له“.
وتنظر المملكة العربية السعودية، وهي قوة سنية، إلى الحوثيين كوكلاء لإيران الشيعية. وينظر إلى الحملة الجوية التي بدأت في 25 مارس على نطاق واسع في المنطقة على أنها محاولة من قبل السعوديين لمواجهة توسيع نفوذ إيران، التي اكتسبت موطئ قدم في دول عربية أخرى، مثل العراق وسوريا ولبنان.
وكان هادي، وهو الرئيس اليمني المعترف بها دوليًا، قد أجبر على الخروج من العاصمة، صنعاء، في فبراير/شباط. ومن ثم حاول إنشاء سلطة في عدن، قبل إجباره على الفرار إلى العاصمة السعودية، الرياض، الشهر الماضي.
وفي مؤتمر صحفي في الرياض هذا الأسبوع، تحدث المتحدث باسم الجيش السعودي بصورة إيجابية قائلاً: إن ميليشيات الحوثي تم عزلها في عدن، وإن مجموعات من المتمردين تخلت عن القتال.
ويقول مسؤولون سعوديون أيضًا إن مدة أسبوعين قصيرة جدًا للحكم على نتائج العملية، وأكدوا أنهم يتحركون بعناية لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين.
ويتألف التحالف الذي تقوده السعودية، والذي تدعمه حكومة الولايات المتحدة بالمخابرات والأسلحة، من دول سنية إسلامية وعربية في معظمه، وقد أثار مستوى التنسيق الهادئ بين القوات المسلحة لهذه الدول إعجاب المحللين.
وقال تيودور كاراسيك، وهو محلل للقضايا العسكرية في الشرق الأوسط، إنه يعتقد بأن دولة الإمارات العربية المتحدة والأردن انضمتا إلى المملكة العربية السعودية في إجراء الغارات الجوية التي دمرت عشرات القواعد العسكرية ومستودعات الأسلحة. وأضاف أن السعوديين تلقوا أيضًا دعمًا من القوات البحرية المصرية لمراقبة السواحل اليمنية.
ومع ذلك، قال كاراسيك إنه يبدو أن المتمردين الحوثيين قد أخفوا مخازن كبيرة من الأسلحة بنجاح، وإنهم قد فعلوا ذلك ربما عن طريق نقلها إلى المناطق الجبلية في معقل المتمردين إلى الشمال، صعدة. وأضاف أنه لتدمير تلك الأسلحة، وإقناع الحوثيين بوقف هجومهم والموافقة على محادثات السلام، سيكون من الضروري شن هجوم بري.
وأكد كاراسيك: “هذا يوضح أن القوة الجوية وحدها لا تستطيع تخليص القوات البرية للعدو من أسلحتها وقدرتها. إنها تجعلهم مبعثرين، وتجعلهم يقومون بإخفاء أسلحتهم لاستخدامها في وقت لاحق“.
خيارات صعبة
وستواجه القوات البرية بالتأكيد مقاومة شديدة من ميليشيات الحوثي. وكمقاتلين مخضرمين، استولى هؤلاء على أجزاء من جنوب المملكة العربية السعودية خلال حرب قصيرة في عام 2009، مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 جندي سعودي.
ولم تستبعد المملكة العربية السعودية شن هجوم على الأرض، ولكنّ حلفاءها يبدون حذرين من مثل هذه الخطوة. وقد رفض برلمان باكستان المشاركة في الحملة يوم الجمعة.
وقال عماد سلامي، وهو الخبير في شؤون الشرق الأوسط في الجامعة اللبنانية الأمريكية، إنه على الرغم من أن هذا الخيار محفوف بالمخاطر؛ إلا أن استمرار القصف الجوي واحتمال التوغل البري هي الخيارات الوحيدة التي قد تواجهها المملكة العربية السعودية.
وأضاف أن المسؤولين في الرياض يشعرون بالقلق ربما من أن التراجع سوف ينظر إليه على أنه ضعف، وخاصةً من قبل إيران. وأشار إلى أن المملكة العربية السعودية تعتبر اليمن حديقتها الخلفية، ويعتقد السعوديون أن “هذا الكفاح هو قتال من أجل وطنهم، ووجود نظامهم“.
ويوم الخميس، أصدر القادة الإيرانيون إدانات قوية للضربات الموجهة السعودية. ووصف الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، هذه الضربات في خطاب متلفز بـ “جريمة إبادة جماعية“.
دعم متداعٍ
وتعد حملة اليمن جزءًا من سياسة سعودية أكثر حزمًا على نحو متزايد في المنطقة، يدفعها إلى حد ما يصفه محللون بأنه قلق سعودي بشأن اتفاق محتمل على برنامج إيران النووي. ويخشى السعوديون من أن مثل هذه الصفقة قد تصل إلى اعتراف الولايات المتحدة بتزايد النفوذ الإيراني في المنطقة.
وقد قال السعوديون بأنهم يريدون استعادة حكومة هادي. ولكن قاعدة دعم الرئيس اليميني لدى الجمهور تبدو متداعية. ويقول العديد من السكان إنهم يشعرون بالاستياء من تشجيع هادي وزملائه القادة المنفيين لاعتداءات التحالف من الخارج، بينما يواجه سكان عدن ميليشيات الحوثي المدججة بالسلاح.
وقال علي محمد، 28 عامًا، وهو من سكان عدن العاطلين عن العمل، في إشارة إلى هادي: “لقد تخلى عنا باستمرار“.
وبدوره، قال وضاح دوبايش، 40 عامًا، وهو يقود ميليشيا في عدن لمحاربة الحوثيين، إن هادي لم يعد موضع ترحيب في المدينة. وأضاف: “نحن لا نريده هنا، ولا نريد أن نرى وجهه هنا“.
وفي مناطق أخرى حيث تنمو المشاعر المعادية للحوثيين، تظهر أسهم هادي في انخفاض أيضًا. واتهم أحمد عثمان، وهو سياسي في مدينة تعز الجنوبية يعارض الحوثيين، هادي بعدم تنظيم المقاومة العسكرية ضد المتمردين.
وأعرب كذلك عن القلق بشأن مقاتلين مجهولين يشنون الهجمات على نحو متزايد على مواقع للحوثيين في المدينة. وأضاف أن “ما يثير قلقنا الآن في تعز هو غياب الأمن“.
وقال فارع المسلمي، وهو المحلل اليمني والباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن تصاعد الخسائر في صفوف المدنيين نتيجة الغارات الجوية لقوات التحالف قد زاد الغضب الشعبي.
وأضاف أن الفوضى تخلق أرضًا خصبة للجماعات المتطرفة، مثل القاعدة في جزيرة العرب. وقد استولت هذه المجموعة على أراضٍ كبيرة أثناء القتال، بما في ذلك خامي أكبر مدينة في اليمن، فضلًا عن منشأة عسكرية على الحدود مع المملكة العربية السعودية.
وقال المحلل إنه قد يكون من المستحيل وضع اليمن معًا مرة أخرى، “فقد ولت الأيام التي يمكن أن يدار فيها اليمن من قبل شخص واحد“. وأضاف أن هذا يترك السعوديين من دون أي مخرج عسكري أو دبلوماسي واضح. وقال إن هذا “يصبح الآن فيتنام السعوديين“.
التقرير