قد لا يكون من الحرب مفر، ولكن ..

اثنين, 2015-04-13 18:09
الكاتب عبد الفتاح ولد حبيب

لا بأس بالحرب حين يحين أوانها، لكنها ينبغي أن تخاض بإستراتيجية تحقق نصرا طويل الأمد وبأقل تكلفة ممكنة.
"إن الحرب أشبه بالصيد، فالحيوانات المتوحشة يتم صيدها بالشباك والكمائن والمطاردة والمحاصرة، وعبر حيل أخرى أكثر مما عبر القوة المحضة". الإمبراطور البيزنطي موريكيوس.
لقد أثار انتباهي في الأيام الأخيرة خطاب يتكرر من الكثير من قادة الرأي في عالمنا العربي يبرر الحرب على الحوثيين في اليمن تارة بحرب السنة والشيعة وتارة بصراع العرب والفرس، وأنها جزء من الحرب مع إيران لا ينبغي أن تتوقف عند اليمن بل يجب أن تتواصل حتى تحسم في جميع الجبهات، وحتى وإن كان لأصحاب هذا الرأي أو ذاك ما يبررون به مذهبهم فإن للحرب مذهبها وأسلوبها، فإعلان نية الحرب الحقيقية ودوافع أصحابها ومداها ليس استراتيجيا بأية حال، خصوصا في الحروب العصرية التي يلعب الخطاب دورا هاما فيها، وخصوصا في الصراعات غير الصفرية بين مجموعات الوطن الواحد أو المنطقة الواحدة. 
إن أهم دعم إعلامي يمكن تقديمه للحوثيين اليوم هو تصوير الحرب عليهم على أنها حرب عقيدة، فبهذا الشكل ستقوى مقاومتهم وسيتضاعف الدعم الذي يجدونه من الشيعة في إيران وغيرها.
الحرب مناورة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحرب خدعة" وكان حين يريد غزوة يوري بغيرها، وهذه أمريكا الرائدة العصرية في فن المناورة، خاضت حروبا في منطقتنا بشعارات لا تعكس حقيقتها، لكنها سعت من خلالها في جمع أكبر قدر من الدول حولها، فمرة حرب على الإرهاب ومرة نشر للحرية وللديمقراطية، لكنها لم تقل يوما أن العرب عدو قديم للغرب ولا أن المسلمين أعداء للمسيحيين وإن كان هناك من تحدث بهذه اللغة في أمريكا لكنهم لم يكونوا الأعلى صوتا ولم تفتح لهم وسائل الإعلام المؤثرة. إيران أيضا لم تعلن يوما نيتها إبادة السنة ولا زرع الشقاق داخل دولهم وإن كانت تدعم الشيعة في صراعاتهم المحلية ماليا وعسكريا وتبحث عن تواجد وعن اختراقات وأوراق ضغط في مختلف البلدان العربية.
لا شك في أهمية الحرب العقدية في حشد الدعم الشعبي وشحذ الهمم لأي حرب لكن ينبغي أن يكون لذلك حدود، ينبغي التركيز – كما هو الخطاب الرسمي – على الشرعية في اليمن وعلى البحث عن المخارج السلمية ما أمكن. يجب التركيز على نقد القيادات الحوثية بدل الطائفة وعلى مهاجمة الفعل الدموي البادي للعيان في اليمن بدل استحضار معارك الماضي، فعند محاربة الخصم في عقيدته أو تاريخه فإنك توفر لقيادته فرصة ثمينة في حشد الدعم ورص الصفوف.
أهل السنة هم الأمة ويجب أن يسعوا للظهور بذلك المظهر، فحتى وهم يحاربون مجموعة من الأقليات فيجب أن يفعلوا ذلك وهم يوضحون طريق العيش المشترك وتاريخه وإمكانيته، فهم كأب يضرب ابنا له على العقوق لكنه لا يمكنه طرده أبدا من المنزل. بهذا تبدوا معركتهم أكثر عدالة وبهذا تكون حربهم أمرا ضروريا في سبيل تحقيق السلام.
لا يمكن أيضا تجاوز الحقائق فلإيران أطماعها في المنطقة ولها دورها في الكثير من مشاكلها، لكنها قوة إقليمية تملك الموارد والسلاح والعقول وتضع الخطط وتتدرج في تحقيق أهدافها وتناور من أجل نيلها، لذلك يجب التخطيط للصراع معها ولا شيء في عالم الحرب يوازي التحصين وقوة الردع والضربات الخاطفة والسريعة عند الحاجة، لكن لا معنى لحرب مفتوحة مدمرة معها فمعتقدات الشيعة مبنية على صراع قد غادر أطرافه ميدان الحياة وبالتالي لا مخرج واقعي للمعركة معهم لأن من يملكون الحسم فيها قد توفوا منذ قرون.