هي ثقافة تربت عليها أجيال كاملة في وطننا العربي، سور الأزبكية في القاهرة، شارع المتنبي في بغداد وجسر الرئيس في دمشق، وغيرها أماكن عديدة كان يرتادها المولعون بالثقافة، فيجدون فيها من الكتب المستعملة ما قل ثمنه وعظمت قيمته الأدبية والفكرية.
لم تكن مدينة نواكشوط استثناء في عواصم العرب، فلقد كان لها هي الأخرى مكتباتها في الهواء الطلق، أماكن لعرض وبيع الكتب المستعملة كنت تجدها قرب العيادة المجمعة "أكلينيك" وفي سوق العاصمة وتحت عمارة "أفاركو".
كان ذلك ذات زمن احتضنت فيه الأرصفة الثقافة ونشأت فيه علاقة رائعة بين الكتب والأرصفة والقراء، يومها كان الطلب على هذه البضاعة الثقافية في أوجه، فلا تكاد تخلو أية واحدة من تلك "البسطات" من أعداد كثيرة من المتحلقين حولها، الباحثين بين العناوين عما يسد رمقهم الثقافي.
مضت السنوات وتغير الزمن، تخلت الأرصفة عن عاداتها الجميلة تلك، وتحولت رويدا رويدا إلى مكب كبير لكل أنواع البضاعة الآسيوية الرخيصة.
وفي واحد من أعظم أعمالنا الجنونية المعاصرة، استبدلنا الكتب بالآلات الالكترونية الرديئة والملابس والأحذية وورق الحمام ومعاجين الأسنان ومستلزمات الهواتف النقالة وبطاقات الرصيد واللحم المشوي والشاي الأخضر وكل أنواع الحماقات المقززة.
أحيانا وأنا أمر بتلك الأطلال أشم رائحة الكتب، فتسأل نفسي المكلومة تلك الأماكن: هل أنت التي تغيرت أيها الأرصفة أم نحن الذين تغيرنا؟
نقلا عن صفحة الكاتب على الفيس بوك