أزمة الجيوش العربية

أربعاء, 2015-04-15 23:48
عادل سليمان

القضية التي كانت مطروحة على القمة العربية في شرم الشيخ، الشهر الماضي، هي التحديات والتهديدات التي تواجه الأمن القومي العربي، ما يعني، بديهياً، أن الإعلان الصادر عن المؤتمر كان ينبغي أن يتضمن تعريفاً للعدو الذي يهدد هذا الأمن، وتعييناً للقوة التي على الدول العربية أن تعدها لمواجهته.

وقبل استعراض الإعلان الذي صدر باسم القادة، نتوقف، قليلاً، أمام ما كان يعنيه مفهوم العدو، وتحديات الأمن القومي، في مدركات المواطن العربي ووعيه، قبل انعقاد القمة بأشهر. كان العدو في الضمير العربي يعنى إسرائيل، والتحديات التي يواجهها الأمن القومي العربي تتمثل في الاحتلال والعدوان الإسرائيلي المستدام، وما تقوم به إسرائيل من بناء قوة عسكرية حديثة ومتطورة، بشراكة استراتيجية مع أميركا، وتسعى إلى ضمان التفوق النوعي على كل الجيوش العربية. هذا هو العدو، وتلك هي التهديدات والتحديات في مواجهة الأمن القومي العربي التي ظل المواطن العربي يدركها على مدى عقود، ويتفهم متطلبات مواجهتها التي تتضمن إنشاء جيوش احترافية حديثة، تحمل عقيدة قتالية واضحة.

نقرأ، بعناية شديدة، إعلان قمة شرم الشيخ الصادر باسم قادة الدول العربية، فلا نجد فيه ذكراً للعدو الإسرائيلي، ولا لما يتعرّض له الأمن القومي العربي، جراء الاحتلال والعدوان والاستيطان والحصار والتهويد، ونجد جملة عابرة عن فلسطين جاء فيها أن التأييد العربي التاريخي سيظل قائماً حتى يحصل الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه المشروعة، وفقاً لمبادرة السلام العربية (!).

وقد أسهب الإعلان في الحديث عن المخاطر التي تتعرض لها الدول العربية، وتهدد نموذج الدولة الحديثة الوطنية، ومخاطر الإرهاب باعتباره التحدي الأكبر الذي يواجه كيان الدول العربية، وهو ما يستوجب التحرك العربي السريع والحاسم، وجاءت توصية محددة هي:

(..اتخاذ اللازم نحو تنسيق الجهود والخطط لإنشاء قوة عربية مشتركة، لمواجهة التحديات الماثلة أمامنا، ولصيانة الأمن القومي العربي ..)، ثم أعقب ذلك الإعلان عن تشكيل لجنة رفيعة المستوى، تحت إشراف رؤساء الأركان العرب، لدراسة كل التفاصيل المتعلقة بتشكيل هذه القوة المشتركة، وطبيعة عملها ومهامها، على أن يكون الانضمام إلى هذه القوة اختيارياً للدول التي ترغب في ذلك.

إلى هنا، الأمر قد يبدو عادياً، ويتساءل بعضهم: إذاً، أين المشكلة؟ وما هي الأزمة التي تواجه الجيوش العربية؟

هذا بالضبط جوهر الأزمة التي تتعرض لها الجيوش العربية، بل والفكر العسكري العربي كله، والذي تبلور عبر عقود وتجارب، بل وحروب عديدة.

فقد ارتكز البناء التنظيمي والهيكلي، وأيضاً العقائد العسكرية والقتالية لتلك الجيوش، على أساس حماية الوطن، والدفاع عنه براً وبحراً وجواً، ضد أي عدو يتهدده. وكان العدو الرئيسي على مدى عقود هو العدو الإسرائيلي، والذي خاضت بعض تلك الجيوش حروباً عدة معه في جولات متعاقبة.

أي أن تلك الجيوش العربية تم تنظيمها، وتسليحها، وتدريبها، وتكوين عقائدها التكتيكية، والاستراتيجية، والإدارية، والبنية الأساسية العسكرية لها، على أساس خوض الحروب في مسارح العمليات، وفي مواجهة جيوش نظامية. وفي حالتنا العربية، كان التركيز على العدو الإسرائيلي وقواته المسلحة، تنظيماً وتسليحاً وتدريباً.

وعلى تلك الأسس، نشأت الأجيال المتعاقبة من العسكريين العرب، على اختلاف مستوياتهم، وتراكمت الخبرات العسكرية، سواء من القتال الفعلي، أو من التدريب، واستيعاب الدروس وتطوير الفكر والآليات. ذلك ما نسميه الكيانات العسكرية الاحترافية التي تتكون عبر خبرات وموروثات وتقاليد تراكمية، على مدى سنوات.

"لا تصلح القوات المسلحة الاحترافية لخوض العمليات غير المتناسقة مع عناصر الإرهاب"

من أين تأتى الأزمة؟ تبدأ الأزمة إذا حاولنا، فجأة، أن نحول تلك الكيانات العسكرية الاحترافية الكبيرة، المعدة لخوض المعارك على مسارح العمليات، إلى كيانات عسكرية ذات طبيعة مختلفة تماماً، معنية بمحاربة الإرهاب، وهو يمثل، حتماً، تهديداً خطيراً على أمن الوطن والمواطن وسلامتهما، ويجب التصدي له بحسم. ولكن، قطعاً ليس بالقوات المسلحة الاحترافية، لأنها لا تصلح لخوض العمليات غير المتناسقة مع عناصر الإرهاب، وتتعرض لفشل يخفض كثيراً من هيبتها، ومن روحها المعنوية، وأيضاً من كفاءتها القتالية.

قد يتصور بعضهم أننا لسنا في حاجة إلى قوات مسلحة احترافية كبيرة في ظل حالة السلام ومعاهداته؟ ويتساءل لماذا لا نعيد هيكلتها، لتكون ملائمة لمواجهة العدو الجديد الوافد، وهو الإرهاب؟ قد يكون هذا صحيح ظاهرياً. ولكن، هناك حقيقة مهمة، هي أن القوات المسلحة الاحترافية ليست سلعةً، يمكن توفيرها عندما نحتاج إليها، حتى لو توفرت الأموال اللازمة لشراء السلاح! لكنها كيان تراكمي من الخبرات، والعقائد، والقيم، والتقاليد، يحتاج إلى سنوات، ولا أحد يضمن غدر العدو، ولا تقلب المصالح.

يجب أن ندرك أن القوات التي تحمي وحدة الأوطان، ونسيجها المجتمعي ضد مخاطر الإرهاب، ذات بنية تنظيمية وتسليحية وعقائد قتالية خاصة، تعرف عادة بقوات الحرس الوطني، أو قوات الجندرمة، وهي تختلف اختلافاً جوهرياً عن الجيوش الاحترافية المعنية بالدفاع عن الأوطان وقتال العدو الذي يهدد أرضه ومقدراته، ولا يمكن أن تكون بديلاً لها.

تلك هي الأزمة الحقيقية التي تمر بها الجيوش العربية، أزمة وجود. وللأسف، هناك منها من قضى نحبه بالفعل، وجارٍ استبدالها بجيوش على نسق الأحراس الوطنية، ومنها من ينتظر دوره، وجارٍ التخطيط لإعادة هيكلته، ولم يبق لنا إلا أن ننادي: يا عرب، أفيقوا. فهل هناك حياة لمن ننادي؟